: آخر تحديث

الأحلام أجنحة الحالمين

15
11
9

لولا الحلم لأصبحت الحياة رمالاً تكسوها غشاوة الغبار، ولولا الحلم لما استطاع العالم أن يحتفظ بذاكرة مكتنزة، تنبت الزرع، وتحيي الضرع، وتشيع فسحة من تفاؤل في عرض الدنيا وطولها. 

ولكن في بعض الأحلام صدأ القفزات فوق حبال مهترئة، وفي بعض الأحلام عالم تسوده فوضى الحواس، وما يتبعها من نشارة خشب تسمى المشاعر، هذه النشارة هي التي قد تحول الأفكار إلى قطع غيار تالفة تملأ العقول، وتجعلها مكب نفايات وبراميل ضخمة لتجمع الفضلات.يقول فيكتور هيجو: «نحن نرزح تحت رحمة هذه ‘الآلهة’ المتوحشة التي هي الأفكار، والتي تدوس بأطراف متنازعاتها على أرواحنا، وتجعلنا نعيش من أجل البقاء وليس من أجل الحياة»، ولهذا السبب ضمرت الحضارات، وتلاشى بريقها، واختفى شعاعها عندما أدبر الإنسان وتولى باحثاً عن ظلال خلف جدران متهاوية، ومقتفياً أثر أحافير ما عادت تشفع ولا تنفع، بل أصبحت تحتل مكاناً في حياتنا وتزاحم أحلامنا الوردية.

اليوم، وبعد التطور الهائل في مجال التكنولوجيا، وبعد أن أمسك الإنسان بزمام الطبيعة، تراجع التقدم الأخلاقي والثقافي، وأصبحنا نعيش تصحراً قيمياً مخيفاً، وأصبحت أمنا الأرض بيتاً غير قابل للعيش الهانئ. ويقول أدغار موران: إن التقدم التقني والعلمي لا يضمنان التقدم الأخلاقي والثقافي، وهذا قول صحيح لأن التقدم العلمي عندما يقوده عقل يفهم في كل شيء عدا نفسه يصبح التقدم مثل عجلة معطوبة تسير على منحدر فتهوي بصاحبها إلى الحضيض وتنتهي بمأساة فظيعة.

فلا نستغرب المجازر ولا المآتم على مستوى العالم لأن العقل ليس سيد نفسه، بل تحكمه نوايا (الأنا) التي تخوض معارك ضارية مع الوجود، وتعمل على إلغاء دور العقل ككائن ينعم بحب الآخر إلى مخلوق مريع بمخالب حادة وأنياب فتاكة.

وقد تحول أحلام البشرية إلى كوابيس منذ أن فكر في البقاء على حساب الآخر، ومنذ أن نبتت له مسامير تدعى أصابع وأشواك وخازة تسمى أظافر وأفكار «شيطانية» يطلق عليها إبداعات العقل.

اليوم يعيش البشر أزمة أحلام نتجت عن مأزق العقل، والعمل جارٍ في تشديد القوة الباطشة على العقل، ليزداد تسلطاً وتتضاعف عجرفته حتى تنتهي الحضارة التي بناها الحالمون بغد مشرق، ويعود العالم يلهث تحت آلة العقل الحادة والمميتة، كل ذلك سيحصل إذا لم ينتبه الخيرون من أبناء الأرض ويوقفوا هذا النزيف الأخلاقي، ويعود الوعي إلى رشده، وتستعيد الأحلام بريقها الزاهي، ويعترف كل من يعيش على هذه الأرض بأننا أبناء هذه الأرض، ومصيرنا المشترك يحدده إيماننا بأن الأرض خيمتنا المشتركة، وواجبنا حمايتها من المجانين والحمقى والعصابيين والذين في عقولهم لوثة (الأنا) الطاغية والذات المشؤومة.

فلماذا لا نلون أحلامنا بالحب؟ لماذا لا نجعل عقولنا منازل فرح؟ لماذا لا نجعل الأرض فراشات تلونها بالجمال وتعطرها بشذا الزهور؟

العالم بحاجة إلى مراجعة كتبه المدرسية وقراءتها بتأنٍّ وتأمل، وسوف يعرف مدى أهمية ما قالته الفلسفة (الأفكار السوداوية مزرعة لحروب الطوائف والديانات والسياسات)، فتعالوا نحلم بوردة عند عتبات أبواب منازلنا، وسوف تزهر قلوبنا بالحب، وتستعيد حضارتنا بريقها الأول، ويبتسم صغارنا صباحاً وهم يحملون حقائبهم المدرسية، ومن دون مباغتات لخوف يمسك بتلابيب قلوبهم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد