فيصل الشامسي
جسّد إعلان الجهات المختصة في دولة الإمارات انتهاء التحقيقات في قضية تهريب عتاد عسكري إلى سلطة بورتسودان وإحالة المتهمين إلى القضاء، صفحة جديدة في سجل حماية السيادة الإماراتية، صفحة تتجاوز إطار الحادثة، لتصل إلى عمق المعنى؛ وهو أن حماية أراضي الدولة ليست مجرد قانون، بل هي قصة وطن، ووعي شعب، ونهج دولة تعتبر حدودها خطاً لا يلامسه أحد دون حساب.
بدأت القصة عندما رصدت الأجهزة المختصة تحركات مشبوهة لتمرير عتاد عسكري، ذخائر ومواد محظورة، عبر الأراضي الإماراتية، في محاولة لاستغلال مسارات الدولة وموانئها في نقل أدوات حرب إلى منطقة ملتهبة. لم تتعامل الإمارات مع الأمر كقضية تهريب عادية؛ بل كاختبار مباشر لصلابة منظومتها الأمنية، وما جرى بعد ذلك كان سردية دقيقة؛ تبلورت في تحقيقات موسعة، وتعاون مؤسسي محكم، وتعقّب لكل خيط يمكن أن يكشف شبكة أو تنظيماً إجرامياً عابراً للحدود. وعندما أعلنت الدولة رسمياً اكتمال التحقيق وإحالة المتهمين للمحاكمة، بدا الأمر أشبه بإغلاق بوابة كانت تحاول عبورها أطراف لا تُدرك طبيعة الإمارات ولا حساسية سيادتها.
في هذا الحدث، لا يمكن فصل تفاصيل القضية عن الإطار الوطني الأشمل؛ فالدولة منذ تأسيسها، تبني سياجها السيادي بطريقة واعية تجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، بين الردع العسكري والتحصين المجتمعي، وبين القانون الصارم والمصداقية الدولية، لذلك حين يُقال إن حماية الأرض خط أحمر، فهو ليس توصيفاً خطابياً؛ بل خلاصة تاريخ ورؤية ووعي سياسي وأمني ممتد. القصة هنا ليست فقط ضبط «شحنة» ولا «إحالة متهمين»، بل هي رواية عن دولة لا تسمح أن تُستخدم أراضيها منصة لتمرير السلاح، أو مسرحاً لعمليات تجعلها طرفاً غير مباشر في صراع خارجي.
في منطقة جيوسياسية مضطربة، تتعامل دولة الإمارات مع كل حركة على أرضها بقدر من اليقظة يوازي حجم التهديدات المعقدة، وهذا الحدث يؤكد أن الدولة تمارس دور «الحارس اليقظ»، الذي يرى ما وراء المشهد، ويقرأ ما خلف الخطوط، ويقطع الطريق على أي محاولة لجرّها إلى أجندات لا علاقة لها بنهجها القائم على الاستقرار وبناء السلام.
وعلى مستوى الرسالة الداخلية، فإن هذه القضية تسرد درساً بالغ الأهمية، أن الأمن ليس مهمة مؤسسات فقط، بل هو ثقافة مجتمع كامل، فوعي المواطن والمقيم، ومهنية الموظف، وأمانة المسؤول، وترابط المؤسسات؛ كلها عناصر في رواية واحدة عنوانها «الوطن أولاً».
فعندما يُضبط عتاد عسكري قبل أن يغادر الميناء، فإن ذلك انعكاس لمزيج من الحس الأمني والتنظيم الاحترافي والولاء الحقيقي الذي يحمله أبناء الوطن المخلصون والعاملون فيه من الأوفياء. وإذا انتقلنا إلى البعد الخارجي، فإن إحالة المتهمين للقضاء يرسخ ويعزز سمعة الإمارات كدولة تلتزم التزاماً صارماً بالقانون الدولي، وتضع مكافحة التهريب والسلاح غير المشروع ضمن أولوياتها.
إنها رسالة واضحة للحلفاء والشركاء الاستراتيجيين وللعالم بأسره؛ أنّ دولة الإمارات ليست ممراً للفتن، ولا منصة للمتربصين، ولا أرضاً يُلعب عليها، بل دولة تحترم القانون، وتدعم الاستقرار، وتحارب أي نشاط قد يزعزع أمن المنطقة التي تعيش تحت ضغط الملفات المتشابكة والمعقدة.
وبين تفاصيل القضية ومسار التحقيق وإغلاق الملف بإجراءات صارمة، ترتسم أمامنا سردية وطنية مكتملة؛ وهي أن الأرض ليست مجرد مساحة، بل شرف يصان؛ وأن السيادة أولى الأركان؛ وأن الدولة التي تحمي أراضيها ومنافذها تحمي مستقبلها، والدولة التي تواجه التهريب تواجه كل تهديد وكل مخطط غير مرئي يقترب من حدودها أو مجال سيادتها.
وفي النهاية، لا تبقى سوى الحقيقة التي تُردَّد بثبات؛ حماية أراضي الدولة خط أحمر، لا يُتجاوَز، لا يُساوَم عليه، ولا يُفتح فيه باب لعبث أو تهاون، وما حدث في قضية تهريب العتاد العسكري هو دليل جديد على أن الإمارات تقف حيث ينبغي أن تقف: قوية، يقظة، وعادلة، تحمي أرضها، وتحمي رسالتها، وتحمي مستقبلها بعزم وحزم.

