علي الخزيم
الانفعال أثناء الحوار والمناقشات حول ما يطرح ويدور من آراء تصدر من شخصيات معروفة لها صفتها العلمية أو الشرعية لا يكون ذا جدوى، الطرح المتزن العقلاني يقود إلى المُبتغى من إيصال الفكرة وتعميمها؛ سواء كانت تخصصية أو للعامة.
حدث في الأيام القليلة الماضية جدال وحِدَّة بالطرح؛ بل وصل الأمر إلى حد التسفيه تجاه رأيين لمواطنين هما (طبيب نفسي وداعية)؛ فحريَّة القول والتفاعل وتجاذب الأفكار أمر إيجابي إذا ما التزم صاحبه المعايير وأصول اللباقة وحدود الأدب.
احترام الآراء والأفكار حق مشروع وإن لم نتفق معها تمامًا؛ غير أن الحوار والجدال بالتي هي أحسن هو المندوب إليه والواجب؛ كما إنه العُرف المتبع بين المُتحاوِرين علماء أو غيرهم؛ وهو السبيل القويم للوصول لنتائج تُثري ساحة الفكر والمعرفة؛ وتنبذ الغُثاء وسفاسف القول، والأحرى بالقبول والرضا بخلاف رفع الأصوات ورمي الطرف المختلف بكلمات نابية لا تَنم عن معرفة؛ وتَشِي بفراغ فكري علمي؛ فحين يفقد المحاور الخيوط والخطوط الموصلة للتعمق بالطرح وإقناع الخصم يلجأ (أكثرهم) لما يشبه السُباب والقدح والذم دون مبرر سوى أنه فقد الحجة والبرهان!
منشأ أحَد مسارات الجَدل رأي للطبيب النفسي (تتركز اهتماماته العلمية في علاج الاضطرابات الوجدانية وفي مهارات التعامل مع الضغوط النفسية وعلاقة الدين بالصحة النفسية) إذ قال في حوار متلفز: (الوفاة لا تعني لي شيئًا، فنقصان درجة بالامتحان تهزني؛ وهي أشد تأثيرًا من وفاة أمي أو أبي؛ توفي أبي مساء ومن صباح الغد توجهت لشراء قطعة أرض؛ وتوفيت والدتي وتوجهت بذات اليوم للعمل بشكل طبيعي)، وله تفسيراته وتحليله لبرمجته النفسية الداخلية، وأكد أن هذا لا يعني أنه لا يحبهما بل هي طريقته وبرمجته التي يؤمن بها ويتبعها، وعلل بأن لكل إنسان برمجته؛ ولهذا قد يتأثر من موقف لا يتأثر به غيره لاختلاف البرمجة بين العقليتين أو النفسيتين؛ أو هي ما وصفها بالثغرات النفسية المتباينة بين إنسان وآخر.
الداعية هو الآخر أثار الجدل حين تحدث عبر التلفزة عن نهاية حياة الإنسان إلى أن يُوارَى باللحد ووجوب صلاح العمل قبل هذا المآل؛ واستعمل أسلوبًا ربما يراه هو من قبيل الدعابة والظَّرَف والتلطّف بالقول لجذب انتباه المُتلقّين؛ فِيمَا يراه كثير من المعلقين بأنه خارج عن التأدب مع المتوفين من الأهل والأقارب؛ ذلكم حينما قال لمزيد من الإيضاح:(إنك أيها الإنسان بعد وفاتك وتشييع جنازتك سينساك من تبعوك ومن عرفوك بحياتك؛ تجدهم في مجلس العزاء يتحلَّقُون حول صواني (المُفَطَّح) ويتَخَطَّفون زجاجات الشَّطَّة والمشروبات الغازية غير عابئين بك وبموتك؛ فقد انتهى كل شيء عنك)، وطريقة التشويق أثناء الخُطب التوعوية والحوارات الإرشادية قد تكون مقبولة إذا ما كانت بإطار المعقول وغير المُنكر وبما تعارف عليه القوم.
أقول: إن مقام الوالدين والأهلين له جُل التوقير والوفاء والبِر بهم حتى بعد وفاتهم، وكلمة (أُفٍّ) أخَفّ حروف وكلمات لغة العرب ومع هذا فقد نَهَى المولى سبحانه أن ننبس بها أمام الوالدين تَذَمّرًا؛ فكيف بما فوقها بحقهما وحق موتانا؛ غفر الله للجميع زلاتهم.

