: آخر تحديث

شطرنج الصناعة والذكاء الاقتصادي

27
22
23

ما رأيك في ذكاء التلاعب باستعمال كلمة «ذكاء»؟ هي تشبه الحربة ذات الرأسين، أو ما يسمّى في الشطرنج «الشوكة»، حين تستهدف قطعة قطعتين معاً، فتسقط إحداهما قطعاً. تستخدمها الإنجليزيّة بمعنى الاستخبار والجاسوسية، وهو المدلول الكامن في الجذر اللّاتيني، الذي يدلّ على الفهم والجمع، ومنه جمع المعلومات. الطريف أن الفهم في الأصل اللّاتيني، وفي الفرنسية اليوم، يعطينا صورة فعل مطاوع من أخذ، وهو مضحك في العربية إذا قلنا: تآخذ. الفرنسية حافظت على الفهم وطوّرته إلى الذكاء بمعنى الفطنة وحدّة الذهن. بينما آثرت الإنجليزيّة التمسك بمعنى الجمع وخصصته لجمع المعلومات في الاستخبارات. ذلك واضح في أجهزة «ام.آي.5» و«ام.آي.6»، و«سي.آي.إي». وحتى لا تشغل نفسها بالتداخلات اللغوية الدلالية، أوعزت إلى «كليفر» و«سمارت» بالتعبير عن الذكاء بمعنى الفطنة. لكن الفرنسية لم تستغنِ عن الذكاء بمعناه الاستخباري، فمنذ أوائل القرن التاسع عشر صار القانون الجنائي الفرنسي يحكم بالإعدام، على من يقيم علاقة «ذكاء» مع عدوّ أو قوة أجنبية.

تشعّبت الأمور عندما صار الاقتصاد حلبة صراع أشدّ من النزاع العسكري. لكن المفارقات اللغوية لا تبرح المشهد. إذا كان «الذكاء الاصطناعي» مكتسباً طيلساناً علميّاً، فإن«الذكاء الاقتصادي» هو فارس الميدان، لأنه لا معنى للحديث عن فطنة اقتصادية. يبقى أنه ليس من السهل اكتشاف سرّ إيجاد مرادف له: «الذكاء التنافسي»، أو سرّ اختفاء مصطلح «الجاسوسية الصناعية»، بفعل ظاهرة في التحرير الإعلامي، يسمّيها القلم «خفض حرارة الكلمات»، مثلاً: حين يتلقى أحد طعنة، يقال: «وتم تحييد المهاجم»، أي قتله.

على ذكر الشطرنج، تحتاج الاقتصادات العربية إلى فطنة استشراف تحوّل قد تكون له آثار كبيرة بعد عشر سنوات، وهي مدّة أقل من لمح البصر في عمر البلدان.

أحد كبار خبراء الجغرافيا السياسية، ورائد «الذكاء الاقتصادي» في فرنسا، ذكر أن صناعة السيارات الكهربائية أمام مفرق طرق مفصلي، ولو لاح العقد بعيداً، فالصين ستكون في السنوات المقبلة الأقدر على صناعة البطاريات بثمن زهيد، لكونها تملك مخزوناً كبيراً من العناصر الأرضية النادرة، وستكون أسعارها فائقة التنافسية. لكن سلطاتها طلبت من مصنّعي سياراتها التحول بعد عقد إلى السيارات الهيدروجينية. يومئذ ستكون أوروبا قد تخلصت تماماً من المحركات التقليدية، بينما المحركات الهيدروجينية شبيهة إلى حدّ بعيد بالمحركات التقليدية، مع فوارق ضئيلة. عندئذ تكتسح المركبات الصينية الأسواق العالمية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الرقعوية: الذكاء الشطرنجي يقضي، حين يتعذّر الفوز، بأن التعادل في المباراة أفضل من كش مات.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد