من إيجابيات منصة «فيسبوك» إتاحتها فرصة العودة إلى ما نشرناه في أعوام سابقة على حساباتنا، من خلال خيار الذكريات «memorise»، وفي كثير من الحالات نفاجأ بما توارى إلى خانات الذاكرة الخلفية، خاصة إذا بعدت السنين، فنجد أخباراً وسجالات كانت موضوع الساعة في حينها ثم أخلت موقعها لما تلاها.
أعيد نشر الكثير من مقالاتي على «فيسبوك» بعد أن تنشر في الجريدة، وأشرت غير مرة إلى أن ما يسجله بعض الأصدقاء من تعليقات أو تدقيقات لمعلومات أتيت على ذكرها في مقالٍ ما تشكّل إضافات وإثراء للموضوع الذي تناوله، وضمن خانة «التذكير» على المنصة، وجدت أمس تعليقات على مقال نشرته قبل أعوام قليلة عن السجال حول إلى أي من الشعراء تنسب القصيدة التي غنتها الفنانة السورية فايا يونان، ويقول مطلعها: «أبلغ عزيزاً في ثنايا القلب منزلهُ/ أني وإن كنت لا ألقاه ألقاهُ/ وإن طرفي موصول برؤيتهِ/ وإن تباعد عن سكناي سكناهُ/ يا ليتهُ يعلم أني لست أذكرهُ/ وكيف أذكرهُ إذ لست أنساهُ».. إلخ، بين من نسبها إلى المتنبي وهذا قول أقرب إلى الخطأ، ومن نسبها إلى الشاعر علي بن الجهم (803 – 863 م) المولود في بغداد في عصرها العباسي، وهذا المرجح.
كان عنوان المقال المشار إليه «في الأمر قولان»، ومن التعليقات التي وصلتني على المقال تعليق من الأستاذ التونسي علي سليمان، أعاد له العنوان ذكرى حكاية طريفة يقال إنها حدثت بجامع الزيتونة المعمور بتونس في القرن الماضي، حيث كان أغلب الدارسين التونسيين فيه يتحدرون من عائلات تمتهن الفقه والإمامة والقضاء والتدريس، وكل طالب يفاخر، أمام زملائه، بتفقه أبيه وأعمامه وأخواله، وكان من بين الدراسين طلبة من الجزائر، أرسل والد أحدهم إلى ابنه يخبره بأنه آت لزيارته في تونس، ليراه في محراب العلم، فاستعدّ الابن لاستقبال أبيه بأن اشترى له لباس الفقهاء والعلماء كي يتفاخر به أمام زملائه، على جري ما اعتادوا.
عندما وصل الوالد قال لابنه: أنت تعلم أني تاجر أفهم في شؤون التجارة ولا معرفة لي في الفقه، فأخشى أن تحرجني بلبس ما اشتريته لي من ملابس، ويحسبني أصدقاؤك فقيهاً وما أنا كذلك، فردّ الابن «إن سألك أحد زملائي في أمر شرعي، قل له إن في الأمر رأيان، واسكت، لأن رأي الفقهاء في كل المسائل مختلف»، وهذا ما فعله الأب، إلى أن بلغ الأمر حداً انكشف فيه الأمر، ولم تعد «اللعبة» تنطلي على سائليه.
في التاريخ أيضاً يختلف الرواة، وآية الباحث الماهر هي غربلة الروايات، لاستخلاص ما هو الأرجح بينها، وكشف الزائف.