خِدمة المصالح المشتركة، أو تبادل المنافع، بين الدول أصل أصيل في العلاقات الدولية بين الدول، وهدف استراتيجي تسعى لتحقيقه المُجتمعات من خلال تعزيز وتوسيع علاقاتها الدولية، وغاية سامية تعمل للوصول إليها الدول المتطلعة لبناء مستقبل واعد لشعوبها وأجيالها القادمة. وهذه المصالح المشتركة، أو تبادل المنافع، تتنوع بتنوع الدول، وتتعدد بتعدد العلاقات القائمة، لتشمل بذلك جميع المجالات التي تخدم أهداف الدول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصناعية والتجارية والتقنية والتكنولوجية والأمنية والعسكرية والخدمات بشتى أنواعها ومستوياتها مما يساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة بتنمية وتطوير وتحديث المجتمعات المتطلعة لمستقبل مشرق لمجتمعها وأجيالها القادمة. وهذا المبدأ الأصيل من مبادئ العلاقات الدولية بين الدول ساهم مساهمة مباشرة بتقارب المجتمعات والدول، وعزز بشكل مباشر فرص السَّلام والتعاون بين المجتمعات والدول، وقلل بشكل مباشر وغير مباشر من فرص الصراع والنزاع بين المجتمعات والدول، وأسس لقيم جديدة في التعاملات الدولية والتكامل الاقتصادي والتبادل التجاري في العلاقات الدولية في مستوياتها الثنائية والجماعية والأممية. فإذا أخذنا هذه الطروحات ووضعناها موضع المسلمات في العلاقات الدولية، فإننا نفترض مباشرة بأن المصالح المشتركة، أو المنافع المشتركة، تدفع الدول دفعاً لتعزيز علاقاتها الدولية مع الدول التي تعتقد أنها تحقق لها هذه المصالح أو المنافع بما يخدم سياساتها وتوجهاتها التنموية والاقتصادية والمجتمعية والأمنية. وبما أن واقع العلاقات الدولية يُعزز ويدعم صِحة هذا الافتراض وتؤكد عليه الممارسات القائمة في المجتمع الدولي بين الدول، فإننا نتساءل إن كان هذا الافتراض ينطبق على العلاقات بين الدول من جهة والمجموعات الدولية غير المؤسسية مثل مجموعة "بريكس" المُكونة من دول أصيلة في المجتمع الدولي، إلا أنها لم تصل لمرحلة المنظمات الدولية المؤسسية مثل الأمم المتحدة. بمعنى آخر، هل يمكننا القول إن خدمة المصالح المشتركة، أو تبادل المنافع، قائم وممارس بين الدول من جهة والمجموعات الدولية غير المؤسسية مثل مجموعة "بريكس" من جهة أخرى خاصة بعد الإعلان عن انضمام ست دول لعضويتها في أغسطس 2023م؟ فإذا كانت الإجابة بـ "نعم"، فإنها ستكون مجموعة دولية عالمية بحيث تسعى جميع دول العالم للاستفادة منها والانضمام إليها لخدمة مصالحها وتعزيز منافعها مما يساهم مساهمة مباشرة بتحولها لمنظمة دولية مؤسسية وقائمة على أسس ونظام يحكم وجودها؛ إما إن كانت الإجابة بـ "لا"، فإنها ستظل مجموعة دولية غير مؤسسية محدودة التأثير والفعالية على المدى المتوسط حتى تفقد وجودها تدريجياً على المدى البعيد.
قد يكون من غير المناسب الإجابة المطلقة بـ "نعم" أو الإجابة الجازمة بـ "لا" خاصة عندما نتحدث عن مجموعة دولية مثل مجموعة "بريكس" بدولها المؤسسة الخمس التي مضى على تأسيسها قرابة أربعة عشر عاماً، وقد يرى البعض بأنه من غير المنطقي الحكم على مستقبلها انطلاقاً من حداثة عهد تأسيسها كمجموعة في 2009م، وقد يرى البعض أن العقلانية تجعلنا نؤمن يقيناً بأن دول المجموعة المؤسسين والمنضمين الجدد ستضاعف مصالحها المشتركة وسوف تعزز من تبادل منافعها بما يساهم في نموها الاقتصادي ويسرع من عملية التنمية ويعزز الميزان التجاري لكل دولة من دول المجموعة الإحدى عشرة. نعم، قد تكون هذه افتراضات منطقية بناءً على قرار توسيع عضوية المجموعة بضم ست دول جديدة، إلا أن هذه الافتراضات لم تثبت صحتها بعد مما يجعلها محل الطرح والبحث والاختبار ومشروعية السؤال والتساؤل. فإذا كان السؤال والتساؤل الأول يناقش مشروعية التساؤل عن صحة هذه الافتراضات، فإنه من الأهمية التساؤل عن حجم الفائدة أو مقدار المنافع التي سوف يتحصل عليها أو تعود على الأعضاء الجدد من انضمامهم لمجموعة "بريكس"؟
نعم، قد تكون التساؤلات متشعبة، والافتراضات متعددة، إلا أن مجموعة "بريكس" جعلت الإجابة عليها ممكنة وغير معقدة انطلاقاً من المعايير التي طبقتها عند الإعلان عن توسيع عضوية المجموعة من خمسة أعضاء رئيسيين إلى أحد عشر عضواً بعد ضم ست دول جديد للمجموعة. نعم، قد تكون الإجابة على هذه التساؤلات والافتراضات غير معقدة انطلاقاً من القراءة الدقيقة للمعايير التي تبنتها مجموعة "بريكس" عند إعلانها أسماء الدول المدعوة للانضمام للمجموعة وذلك كما ورد بخطاب رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا أمام القمة، بحسب BBC في 24 أغسطس 2023م الذي قال فيه: "لقد قررنا دعوة جمهورية الأرجنتين، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية، وجمهورية إيران الإسلامية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، لتصبح أعضاء كاملي العضوية في مجموعة بريكس". وأضاف أن العضوية "ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من كانون الثاني 2024". نعم، لقد تضمن الخطاب أسماء ست دول، إلا أنه لم يتضمن إشارة أو تعريفا للمعايير والعناصر التي بناءً عليها تمت عملية اختيار هذه الدول بالتحديد وليس دولاً غيرها، وبما أن المعايير غير محددة، أو على أقل تقدير غير مُعلنة، فإننا نستطيع القول، انطلاقاً من المعرفة بقدرات ومقدرات كل دولة من هذه الدول الست، بأنه لا توجد معايير محددة اعتمد عليها عند توسيع العضوية مما يعني عدم وجود استراتيجية محددة تحكم أعمال المجموعة. نعم، إن القراءة الدقيقة للإمكانات والقدرات لكل دولة من دول المجموعة الإحدى عشرة يجعلنا نرى تفاوتاً كبيراً في جميع المعايير السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والصناعية والتقنية والتكنولوجية والفكرية والأيديولوجية والأمنية والعسكرية والخدمية. وهذا التفاوت الكبير جداً الذي تثبته الإحصاءات الدولية المحايدة فيما يتعلق بقدرات وإمكانات الدول من شأنه أن يُصعب توحيد الجهود بين أعضاء المجموعة، ويُرهق جدول أعمالها نظرا للتفاوت الكبير في مستوياتها المختلفة، ويُنذر بتعطيل أعمالها بما يتناسب وحجم التكتلات القائمة والمستقبلية بين أعضائها.
أما إذا نظرنا للأهداف العليا التي تعمل عليها المجموعة وتسعى للوصول إليها، فإننا نجد أهدافاً عامة غير محددة، وخطوات متفِقة أو متماشية إلى حدٍ كبير مع ما هو قائم ومُمارس ومعمول به في المجتمع الدولي مُنذُ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وما زال معمولا به في ظل القطبية الأحادية الأمريكية. نعم، لقد أشار البيان الختامي لمجموعة "بريكس" في عدد من فقراته للأهداف التي تعمل على تحقيقها والتي تبدوا في جوهرها متوافقة أو متماشية أو معمول بها في النظام الدولي القائم. فبحسب ما نشر بموقع الوكالة الروسية "سبوتنيك عربي" في 24 أغسطس 2023م، فقد تضمن البيان الختامي الآتي: ".. وأيد قادة مجموعة "بريكس" إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن، من أجل إضفاء المزيد من الديمقراطية والفعالية على المنظمة، (و) إننا نعرب عن قلقنا إزاء استخدام التدابير القسرية الانفرادية، التي لا تتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتؤدي إلى عواقب سلبية خاصة في البلدان النامية، (و) ندعو إلى زيادة مشاركة الأسواق الناشئة والدول النامية في المنظمات الدولية ومنتديات متعددة الأطراف، (و) "نؤكد من جديد أن الانفتاح والكفاءة والاستقرار والموثوقية ضرورية لمعالجة الانتعاش الاقتصادي وتحفيز التجارة والاستثمار الدوليين، (و) ندعو إلى تعزيز الحد من التسلح ومنع الانتشار، بما في ذلك اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة، واتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة".
وبالإضافة لما جاء في هذا الجزء من البيان، فقد تضمن الخبر الذي نشر في موقع الوكالة الروسية "سبوتنيك عربي" في 25 أغسطس 2023م الآتي: "دعت قمة "بريكس" إلى الحفاظ على نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفاف وعادل يمكن التنبؤ به، وشامل ومنصف وغير تمييزي، وقائم على القواعد، وفي جوهره منظمة التجارة العالمية، (و) ندعو إلى إصلاح مؤسسات معاهدة بريتون وودز، من ضمنه منح دور أكبر للأسواق الناشئة والبلدان النامية، بما في ذلك في المناصب القيادية في مؤسسات بريتون وودز، بما يعكس دور الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في الاقتصاد العالمي."
وفي الختام من الأهمية القول: إن القراءة الدقيقة لإمكانات وقدرات ومكانة كل دولة من الدول الجديدة المُنضمة لمجموعة "بريكس" توضح أن المستفيد الأكبر، من جهة، مجموعة "بريكس" بانضمام دول مؤثرة وفاعلة ومركزية في السياسة الدولية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ومن جهة أخرى يتضح بأن المستفيد الأكبر بعض الدول المُنضمة حديثاً والمُتطلعة للمساعدات الاقتصادية والتنموية والخدمية من دول المجموعة المتقدمة اقتصادياً وتنموياً والمستقرة سياسياً. نعم، هكذا هي حال مجموعة "بريكس" التي تفتقد للمعايير الموضوعية عند قبول أو رفض طلب العضوية مما يجعل انطلاقتها بطيئة إن لم تكن مستحيلة، وبما يُنذر أعضاءها بضعفها الدائم، وبما يُبشر أعداءها بقرب زوالها.