أسألك بجدّ: كيف ترى حضور الأدمغة العلمية العربية في الحياة العامّة؟ أليس ضروريّاً، في ديار كالعالم العربي، أن على من هم في عداد العلماء أن تكون لهم مسؤولية إزاء أمّتهم، أو في الأقل إزاء أوطانهم؟ الأفضل أن تكون المسؤوليّة رسالةً أو أمانةً، لا مجرّد وظيفة، وأن تتجسّد في فكر نهضوي، تنموي، أو غير ذلك ممّا إلى ذلك.
تمضي السنون وعشرات السنين وعيون الشعوب على الدروب، تقول: أمس لم تظهر طلائع فرسان العلوم، رافعةً رايات الاكتشافات والاختراعات، فغداً سيبسم الفجر ببوارق العلوم، وبيارق التقانات، فإذا اليوم كما يقول الأديب القرغيزي جنكيز آيتمتوف: «ويطول اليوم أكثر من قرن». الناس ظامئة حتى إلى عنتريّات البحث العلمي، كتلك الصيحة الفيزيائية المفاجئة، التي أطلقها راجندرا جوبتا، أستاذ الفيزياء المساعد، في جامعة أوتاوا الكندية، فقد خرج على علماء الميدان بأن الانفجار العظيم يعود إلى 26.7 مليار سنة، لا إلى 13.8 فقط. هذا غير راجندرا جوبتا، الممثل الهندي الشهير. لك أن تتصرف في البيت القائل: «ومن حوى الفيزياء في ذهنهِ.. أضاف أعماراً إلى كونهِ».
لا داعي إلى ذكر أن معنويات الأمّة والأوطان والشعوب هي الأخرى ليست عديمة الأهمية. أم في الأمر شك؟ ثم، إن أغلب الظن أن العلوم أكبر من أن تكون مجرّد وظيفة، مع حفظ ألقاب جميع مراتب الوظائف. المؤلم هو أن يتعلق المتعجّل بقشة، فيتذرّع بأن الدول العربية لا تستثمر في البحث العلمي، ما يتعذّر معه نموّ نبات مراكز البحث العلمي. هذه تعلّة، أو بصراحة علّة. العبقرية لا توقفها الحدود والسدود. كل تاريخ البشرية شاهد، منذ الإنسان الصّناع (هوموهابيليس). مخترع العجلة، لله درّه فعجلات الطائرات هي من حفيدات جذوع أشجاره، بناة الأهرام، ابن الهيثم، دافنشي، إلى إديسون وغيرهم بالمئات عبر التاريخ، لم يكونوا خريجي أكبر جامعات الهندسة في العالم، ولا من الباحثين في مراكز البحث العلمي العملاقة، كمعهد ماكس بلانك الألماني وفروعه في الجهات الأربع، و«المركز الوطني للبحث العلمي» الفرنسي.
ثمة حزمة مسؤوليات ثقيلة تقع على أنظمة الدول المتعثرة في التنمية، كالفساد الإداري والمالي وتفشي الأمّية، وكساح المناهج، ولكن على العلماء والنابغين أن يفجّروا الينابيع في الصخور، وأن يعودوا إلى تعريف الإبداع في معاجمنا القديمة: «صُنْع الشيء على غير مثال»، ولكن بما هو موجود من العناصر والمواد والإمكانات. بلدان كثيرة كانت الأفقر عالميّاً، بل وأفقر من أفقر البلدان العربية، ولكنها لم تكن واهنةً في معنوياتها ولا واهية في عزائمها ومطامحها، لم تتهيّب صعود الجبال، وهي اليوم لا تَرقى رُقيَّها الدول الغربية.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللزومية: الأدمغة العلمية العربية تحتاج إلى التفكير الجماعي، ويد الله مع الجماعة. فأين مؤتمراتهم وخططهم وتنفيذهم؟

