: آخر تحديث

أخطار غياب إنتاج العلوم

24
26
26
مواضيع ذات صلة

لماذا يظلّ تطوير مناهج التربية والتعليم، في العالم العربي، متعثراً، متلكئاً؟ ما يعرقل سرعة الحسم فهم ملتبس. لعلّه من العسير فهم الفارق بين استخدام منتجات العلوم والتقانة، وبين ضرورة إنتاج العلوم. مثلاً: شراء جوّال ورقص الإبهامين على لوحة المفاتيح، والغرق صباح مساء في البرمجيّات، يغري المرء بامتلاكه نواصي العلوم وسلسلة التكنولوجيا، التي تكلّلت بتحفة النقّال المتحرّك الخلويّ التي في راحة اليد، والتي سيستغني عنها بواحدة أرقى منها وأوسع خدمات في الطراز التالي.

الشرق الأقصى كان من أمهر الماكرين. أحسن التدبير حين فتح ترابه بلا حدود للشركات في جميع ميادين الصناعة، بأدنى مستويات أجور العمالة. في الظل، كان يفرّخ جيوشاً من المهندسين، وكانت المصانع والمعامل التي نبتت غاباتها على أرضه، مدارس تعليم وتكوين وتأهيل لأيديه العاملة ومراتب مهندسية. اليوم، حتى فيتنام عرفت كيف تقف راسخة القدمين في الزحام العالمي. أمّا الصين، فأسهب الحديث طوال سور الصين، وإلاّ فطريق الحرير يحتاج إلى ألف شهرزاد وشهرزاد.

إنتاج العلوم قمّة لا يمكن بلوغها إلاّ بحساب منذ الخطوة الأولى. لا شك في أن الأمور تعقّدت كثيراً جرّاء تقاعس أنظمة التعليم العربية في تجارب التطوير، وجرّاء سرعة اندماج أنظمة التعليم العالمية المتقدمة، في الاقتصاد التنموي المنتج. منذ أكثر من قرن كانت للجامعات الغربية علاقات وطيدة بالصناعة والزراعة والطب وعلم الأحياء وغيرها. بينما كان التعليم الجامعي في البلاد العربية، كأنه ميدان وظيفته تقتصر على تعليم الطلاب وتخريجهم. يُفرّخ وعيناه مغمضتان عن عجلة التنمية، فليس من حق الاقتصادي أن يقول لنظام التعليم: لديّ خطة تحتاج بعد عشر سنوات إلى ألفي مهندس مدني، وخمسمئة في البتروكيمياء، وألف في علم الأحياء، وثلاثة آلاف في الفيزياء...العقلية السائدة: على التعليم العالي التخريج، وبعد ذلك الوظائف بالتساهيل.


التخطيط التربوي السليم يكون منذ الابتدائية، إن تعذّر البدء في الحضانة. النهضة العلمية الهادفة إلى إنتاج العلوم، تؤسس البحث العلمي على الأساس، في جميع المجالات. المأساة المريبة هي التناقض المريع بين بلدان عربية تمشي في الأرض مرحاً فخراً بجذورها الحضارية قبل الإسلام وبعده، وبين عجزها عن محو الأمّية، وكأن الأمر يحتاج إلى معجزات. على الباحثين في العلوم الاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية أن ينالوا قسطاً من الفضائيات، لنشر التوعية بأخطار الاستهلاك التكنولوجي والعلمي، من دون إنتاج العلوم. التبعيّة في هذه الميادين ستكون كارثية في المستقبل. لم يحدث في تاريخ البشرية أن صار ممكناً تعطيل حياة بلد بضغطة زر في بلد يبعد آلاف الكيلومترات.

لزوم ما يلزم: النتيجة الانتباهية: إذا تركت إنتاج العلوم للجامعة، فقد فاتك القطار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد