: آخر تحديث

تداعيات انهيار «بنك وادي السيليكون»

13
15
13
مواضيع ذات صلة

عاد شبح الأزمة الاقتصادية ليخيم على الولايات المتحدة، بعد مرور نحو خمس عشرة سنة على أزمة الكساد الكبيرة، والتي أدت إلى انهيار عشرات البنوك، وقد وصف البنك الدولي تلك الأزمة بأنها الأشد منذ الكساد العظيم في ثلاثينات القرن العشرين، واليوم وبشكل مفاجئ فقد أعلن بنك «وادي السيليكون» في ولاية كاليفورنيا انهياره الأسبوع الماضي، بعد أن لحقت به خسائر بلغت خمسة عشر مليار دولار، ما دفع كبار المودعين إلى الإسراع بسحب ودائعهم البالغة نحو 42 مليار دولار دفعة واحدة، وعلى الرغم من أن البنوك الكبرى صمدت أمام هذه الهزة، فإن أسهم العديد من المصارف الصغرى، والمصارف المحلية، قد تراجعت في البورصة في ظل قلق المستثمرين، على الرغم من تطمينات الحكومة الفيدرالية.

ويُعد انهيار هذا البنك حدثاً غير عادي؛ لأنه سيؤثر بشكل كبير في الشركات التي تنشط في منطقة وادي السيليكون، أو المنطقة التكنولوجية الموجودة في ولاية كاليفورنيا، والتي تنتج لوحدها ثلث إنتاج الولايات المتحدة من أنصاف النواقل، وتتركز فيها أكبر شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة والعالم، وعلى رأسها شركة «إنتل» المتخصصة في إنتاج أنصاف النواقل الخاصة بالحواسيب. وبالتالي فإن انهيار البنك هو مؤشر على تراجع إنتاج ذلك الوادي الذي اكتسب اسمه من عنصر السيلكا، الموجود بكثرة والمختلط برمل الشواطئ اللازوردية المنفتحة على أعماق قصية في المحيط الهادئ. وهذا العنصر هو مكوّن أساسي لأنصاف النواقل، وصناعة «الكوابل الضوئية» التي تتدفق فيها حزم الإلكترونات التي تغذي شبكات الإنترنت عبر العالم.


 ولا شك أن ذلك الحدث ستكون له تداعيات كبيرة على الشركات التي تعمل في تلك المنطقة، خاصة أن البنك، الذي تأسس عام 1983، قد تخصص في الأعمال المصرفية، خاصة الإقراض، وتقديم الاستشارات المالية، لشركات التقنية الناشئة، وخصوصاً الصغرى منها، وربما تنسحب آثاره على شركات أخرى في عموم الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى حدوث انهيارات لبنوك أخرى أو شركات، وبالتالي تتعمق الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، ويصبح من الصعب عليها التخلص منها، خصوصاً أن الدين العام الأمريكي بلغ 31 ألف مليار دولار، والإدارات الأمريكية المتعاقبة، تعمل على ترحيل هذا الدين إلى المستقبل، من دون البحث عن حلول عملية، للخلاص منه، وإعادة الاقتصاد إلى مرحلة الانتعاش.

 غير أن شركة بنوك الاحتياط التي تطبع الدولار وتبيعه للحكومة الأمريكية، وفق مبدأ «سقف الدين» قد بدأت تشكو من ضعف مقدرتها على طبع المزيد من الدولارات؛ لذلك لجأت إلى حيلة رفع سعر الفائدة للأموال المودعة في بنوكها منذ العام الماضي؛ حيث تجاوزت عائدات السندات القصيرة الأجل- حتى موعد استحقاق 3 أشهر أو 6 أشهر- مستوى 5 في المئة. وقد سحب الكثير من المودعين ودائعهم من بنوك كثيرة، لاستثمارها في تلك البنوك، وكان ذلك سبباً من أسباب انهيار بنك السيلكون. لكن مهما جمعت شركة بنوك الاحتياط من دولارات؛ فإنها لن تقدر على إنقاذ نفسها من الإفلاس، بسبب عجز الحكومة الأمريكية عن الوفاء لها بالديون المترتبة عليها، وبالتالي فإن قلب الاقتصاد الأمريكي بات مريضاً بمرض لا أمل له بالنجاة منه. ما قد ينذر بتوالي الانهيارات المالية في الولايات المتحدة في المستقبل القريب، الأمر الذي سينعكس بالسلب على أوروبا والدول الأخرى المرتبطة اقتصادياً بالولايات المتحدة.

 وكان البنك الدولي المرتبط ببنوك الاحتياط قد حذر في تقرير أصدره في سبتمبر/ أيلول 2022 من أن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، قد يؤدي إلى ركود عالمي في عام 2023.

ووفق تقارير أمريكية فقد تراجع الاستهلاك في الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع الأسعار على كل شيء تقريباً مع عدم مواكبة الأجور لذلك الارتفاع.

وعلى الجانب الآخر يرى بعض خبراء الاقتصاد أنه من غير المرجح أن تنتقل العدوى إلى المصارف الأخرى، لكن البنوك الصغرى المرتبطة على نحو غير متناسب بالصناعات التي تعاني ضائقة مالية، مثل: التقنية والعملات المشفرة قد تكون في وضع صعب خاصة لغياب التمويل، وفقد ثقة العملاء؛ وذلك وفقاً ل (إيد مويا)، كبير محللي السوق في شركة (أوندا) Oanda. قال (مويا): «كان الجميع في وول ستريت يعلمون أن حملة رفع أسعار الفائدة التي قام بها بنك الاحتياطي الفيدرالي، ستؤدي في النهاية إلى كسر شيء ما، والآن ها هي تؤدي إلى انهيار البنوك الصغيرة».

وتبيع مؤسسة التأمين الفيدرالية عادةً أصول أي بنك منهار إلى بنوك أخرى؛ وذلك باستخدام العائدات، لإعادة الأموال إلى المودعين الذين لم تؤمن أموالهم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد