هل آن للمثقفين العرب أن يرتادوا آفاقاً ثقافية جديدة؟ العالم يتغيّر، فلطالما ليله عسعس، والآن آن لصبحه أن يتنفس. عليك أن تنسج على منوال هنري كيسنجر الذي قال قبل سنوات: «من لم يسمع طبول الحرب فهو أصم»، قل أنت: من لم يرَ من الغربيين النظام العالمي يتغير فهو أعمى. وأن تعمى البصائر أدهى.
يجب الاعتراف، مع شيء من الأسف والندم، بأن المثقف العربي منذ عشرات السنين وضع نفسه في قالب المثقف الغربي، إلّا من رحم ربك. معذرة، أصبح الكثيرون نوعاً من الروبوت الثقافي المبرمج برمجة أوروبية. هل في هذا الكلام استفزاز؟ عبد الرحمن بن خلدون أصاب تماماً وأخطأ تماماً حين قال: «إن المغلوب يقلّد الغالب». وجهة نظره صائبة، تأمل: قامت المدرسة الرومانسية فكان مثقفونا ومبدعونا رومنطيقيين. ظهرت الداديّة فأصبحنا دادائيين. طلعت السوريالية فإذا شعراؤنا وفنانونا التشكيليون على آثارهم سائرون. تفرقع مسرح اللاّمعقول فأصابتنا العدوى. التراجيكوميديا هي أنه عندما نضبت مياه نهر مدارسهم فانقطع الخرير، أصيب شعراؤنا بالحيرة والضياع، ولم يعودوا يعرفون الوجهة، هل يعودون إلى الوراء، إلى الكلاسيكية؟ هل يستمرون في التبعية لمدارس غادرها أصحابها الأوروبيون؟ المفاجأة المأساوية هي أنه في تيّارات الاستلاب، التي أعقبها انحدار مريب في جلّ ميادين الإبداع العربي، لم تُنبت الثقافة العربية المستنسخة ولا حتى رائداً عربياً للسوريالية مثل أندريه بروتون، أو في مسرح اللاّمعقول مثل أوجين يونيسكو، وفي التشكيل لم يتألق عالمياً لا بيكاسو عربي ولا دالي. مثقفونا يعرفون الشاعر الفرنسي رامبو ولا يعرفون بعمق جلال الدين الرومي، عدا ما رواه ابن بطوطة من خرافات عنه، أو سطحية تلك التركية في رواية «قواعد العشق الأربعون».
لكن مقولة ابن خلدون «إن المغلوب يقلد الغالب» مصيبة لا صائبة، فالثقافة العربية المعاصرة لم تحسن التقليد الإيجابي المتناغم المتكامل: أين البحث العلمي العربي في جميع الميادين، في العلوم والآداب والفنون، في العلوم البحتة والتطبيقية والإنسانية؟ أم تراه ليس من الثقافة؟ أين الموسيقى العربية الجادة المستقلة، أي الخالية من الكلام؟ كيف لا يكترث المثقفون؟ كيف لا يهبّون لنجدة قيم الإبداع التي ضربها زلزال الانهيار؟ هم يرون أن الأوساط الثقافية بين 1920 و1960 لا يمكن مقارنتها بالواقع اليوم.
لزوم ما يلزم: النتيجة التأجيلية: ما هي الآفاق الثقافية الجديدة؟ وإلى أين يجب أن تتجه البوصلة؟ أليس الصبح بقريب إن شاء الله؟

