: آخر تحديث

«طريق حرير».. السلم والتنمية

95
84
83
مواضيع ذات صلة

 محمد البشاري  

أُعلن عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية في فاتح أكتوبر 1949، وهي الدولة الأكثر سكاناً في العالم بأكثر من 1.3 مليار نسمة. تقع الصين في شرق آسيا ويحكمها «الحزب الشيوعي الصيني» في ظل نظام الحزب الواحد، وهي تتألف من 22 مقاطعة وخمس مناطق حكم ذاتية وأربع بلديات تدار مباشرة (بكين وتيانجين وشانغهاي وتشونغتشينغ) واثنتان من مناطق الحكم الذاتي الموسع، هما هونغ كونغ وماكاو. وتمتد جمهورية الصين الشعبية على مساحة 9.6 مليون كيلومتر مربع، وهي ثالث أكبر دولة من حيث المساحة الإجمالية.

منذ إدخال إصلاحات اقتصادية قائمة على نظام السوق في عام 1978، أصبحت الصين أسرع اقتصادات العالم نمواً، حيث أصبحت أكبر دولة مصدرة في العالم وثاني أكبر مستورد للبضائع. يعد الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد، وهذا راجع إلى السياسة التي وضعها الرئيس الصيني السابق «هو جينتاو» (تطور الصين السلمي)، وهي سياسة تسعى لتحقيق نمو اقتصادي وسياسي ومجتمعي وعسكري صيني متوازن من دون أي مواجهات عنفية في منطقة شرقي آسيا أو في العالم. وقد أُضيفت كلمة «السلمي» إلى المبادرة لطمأنة بلدان شرق آسيا والولايات المتحدة الأميركية إلى أن نمو الصين لا يشكل أي تهديد للسلم أو للاستقرار.

وتعتمد استراتيجية الصين لتحقيق تطورها السلمي على الآتي:

أولًا؛ النمو باتجاه العولمة، حيث تؤمن الصين بمبادئ تعدد الأقطاب بدلاً من الأحادية القطبية، وهي تحاول أن تتعاون مع بقية البلدان وفق المبادئ المعلنة لتحقيق التعايش السلمي.

ثانياً؛ إرساء السلام العالمي، والذي تعتبره الصين أحد أساسيات نموها الاقتصادي، إلى جانب محاربة الفقر وترشيد استهلاك الطاقة.

ثالثاً؛ تشجيع البحث العلمي والابتكار وتوظيف التقنيات الحديثة للتصنيع النظيف والحفاظ على البيئة وحسن استخدام الموارد البشرية والرفع من مستوى التعليم.

رابعاً؛ تحويل الصين إلى سوق مفتوحة للتجارة العالمية، حيث أصبحت بكين الداعم الأساسي لمنظمة التجارة العالمية والمنظمات الإقليمية، مثل منطقة «الآسيان». وقد انتهجت الصين سياسة نقدية عادلة مع تضارب معدلات النقد بين البلدان، وقامت بالاستثمار في بقية البلدان وبتسخير إمكاناتها للمساهمة في تطوير اقتصادات الدول النامية.

خامساً: اعتماد الصين على مبادئ «الديمقراطية في العلاقات الدولية»، بما في ذلك الحوار والتعددية والمساواة بين البلدان وعدم الإكراه وإشراك الدول النامية في القرار العالمي، باعتماد الثقة المتبادلة وليس أفكار الحرب الباردة.

تاريخ الصداقة بين الصين والدول العربية يعود إلى العصور القديمة، فمنذ أكثر من ألفي عام، ربطت «طريق الحرير»، البرية والبحرية، بين شبه الجزيرة العربية والصين. وعلى مدار التاريخ الطويل، كان السلام والتعاون والانفتاح.. سمات ثابتة للعلاقات التبادلية بين الصين والبلاد العربية، خصوصاً في المرحلة الحديثة والمعاصرة، لاسيما بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث اتبعت الصين والدول العربية الاتجاه العالمي للسلام والتنمية والتعاون.

وفي عام 2004، تم تأسيس «منتدى التعاون الصيني العربي»، والذي تطور إلى منصة تعاون جماعي تغطي العديد من المجالات. وفي عام 2010، أقامت الصين والدول العربية علاقات استراتيجية للتعاون الشامل والتنمية المشتركة، ودخل التعاون الجماعي الصيني العربي مرحلة جديدة من التطوير والتحديث الشامل، من خلال الشراكة مع ثماني دول عربية، وتمت إقامة آلية حوار استراتيجي خليجي صيني، وأصبحت الدول العربية ككل أكبر مورِّد للنفط الخام إلى الصين وأحد أكبر شركائها التجاريين.

وعلاوة على المبادرات التي اقترحتها الصين لبناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين»، وإنشاء نمط تعاون «1 + 2 + 3» (في مجال الطاقة والبنى التحتية والتجارة والاستثمار)، بدأت الدول العربية ترحب بالتكنولوجيا الصينية العالية، لاسيما في مجالات الطاقة النووية، والطاقة النظيفة، والاتصالات الفضائية، والقدرات الصناعية.

وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة شريكاً استراتيجياً أساسياً للصين في المنطقة،

وقد أكد تقرير الخارجية الصينية أن «دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تقع على مفترق طرق مبادرة الحزام والطريق، هي شريك مهم في تعزيز هذه المبادرة، وتريد الصين تعزيز تعاونها مع الإمارات من أجل مصلحة البلدين».

وتعد دولة الإمارات أكبر سوق تصدير صيني في منطقة الشرق الأوسط، حسب تصريح «سون تشونلان»، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم. وقال «سون» إنه على مر السنين، أقامت الدولتان علاقاتهما على الثقة السياسية العميقة، والتي أثمرت تعاوناً اقتصادياً وتجارياً كبيراً ومتزايداً، كما أجرتا تبادلات ثقافية متكررة.

لذلك فإن كل الشروط متوافرة لنجاح المشروع الصيني، «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين»، والراميين لبناء شبكة تجارية وبنية تحتية تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا، على طول طرق التجارة القديمة.

والمؤمل أيضاً أن تصمد المبادرات الإقليمية الصينية لتحقيق التنمية والسلم، أمام تكتيكات السياسات الإيرانية التركية القطرية المعتمدة على استنزاف ثروات المنطقة لتسخيرها لزعزعة الأمن القومي العربي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد