عبدالحق عزوزي
شاركت الأسبوع الماضي في منتدى «فالاي» الفكري بموسكو والذي افتتحه وزير الخارجية سيرغي لافروف، في تدخله المرتجل وجّه تحذيراً جديداً إلى الولايات المتحدة من اللعب بالنار في سوريا، مشيراً إلى دعم الأميركيين للوحدات الكردية شرق الفرات، وموازاة مع ذلك كانت العديد من الطائرات الحربية الروسية تشارك نظام بشار في القصف المدمر الذي تتعرض له ضاحية دمشق الشرقية، والذي يذكّر بمعركة تدمير حلب. أما تركيا التي تتوعد بالسيطرة على مدينة عفرين، فنراها تقصف مجموعة من المقاتلين الشيعة الذين دفعتهم إيران والنظام للتوجه إلى دعم المدينة.
وتجسد الحملة العسكرية التركية في عفرين تعقيدات النزاع السوري، حيث لم تقتصر الاشتباكات على القوات التركية والأكراد، كما كانت تخطط لذلك أنقرة. كما أن المعركة تمتد لتصبح صراعا للنفوذ بين مختلف القوى الفاعلة على الساحة السورية. حتى أن أكبر المخططين الاستراتيجيين بإمكانه أن يتساءل معك: من يقاتل من في عفرين؟ ولماذا؟ بل من يقاتل من في سوريا ككل؟ ولماذا؟
أريد أن أعرف هل بشار الأسد ينام بالليل عندما يرى كيف وضع سوريا بأكملها في غيابات جهنم وجعلها تحت رحمة كل أطياف المدمرين الإقليميين والدوليين؟! ينتابك شعور بالحسرة والذهول عندما ترى نصف الأخبار في القنوات الإخبارية العالمية مخصصة لسوريا وما يقع فيها من قتل وتدمير وتفكك وهجرات وتفجيرات وانتكاسات. إنه الواقع المزري الذي لا ينتهي كأننا خارج التاريخ حيث وصل النظام وأهله في سوريا إلى عهد الجاهلية الأولى.
بشار الأسد ليس سياسيا ولا يتمتع بشروط السياسي التي لطالما تحدثنا عنها منذ بدء الاحتجاجات في تونس عام 2010. السياسي المقبول يتمتع بثلاث صفات: الشغف والشعور بالمسؤولية وبعد النظر. الشغف يعني الانكباب على المشاكل ومعالجتها بحماس ودراية، لا بجهل وبلادة. ولا يؤتي الشغف أُكله عندما تغيب المسؤولية وتقوى المصالح الذاتية الآنية على مصالح البلد. فبشار، لحماية نفسه، وهب بلده لقوات أجنبية في كارنفال دموي كارثي يأتي على الأخضر واليابس. ثم يضاف إلى هذا كله بعد النظر، وهو ملكة وتجربة ودراية وقوة وقدرة وصفة حاسمة عند السياسي لو تمتع بها العديد من فاعلي المجال السياسي العام الجديد في بعض الأوطان العربية لوصلت بلدانهم إلى بر الأمان، فانعدام المسافة مع الأشياء والناس هو إحدى الكوارث القاتلة بالنسبة لكل من يتعاطى السياسة.
العديد من الفاعلين الكبار يؤججون اليوم المحرقة السورية بتزكية، والتي يبدو أنها لن تخبو في المدى القريب لتتهاوى كل الآمال التي عقدت على اجتماعات جنيف الثمانية، ولقاءات أستانة السبعة، وسوتشي التي لم تؤت أكلها، رغم التأكيدات الروسية بأنها ستضع حداً للأزمة في سوريا.
الكل يعلم اليوم أن من دخل بالعتاد والسلاح إلى سوريا لإنقاذ النظام يسعى للحصول على قطعة من الكعكة السورية، ويكفي أن نستحضر تصريحات مستشار خامنئي، اللواء يحيي صفوي، يوم 17 فبراير الحالي، حيث قال بأن مساعدة طهران للنظام ليست عملاً مجانياً، وبأنه على إيران أن تسترجع ما أنفقته في الحرب من النفط والغاز والفوسفات السوري، فـ«الروس عقدوا اتفاقات لمدة 49 عاماً في سوريا، ونالوا عبرها قاعدة عسكرية وامتيازات سياسية»، بمعنى أن الإيرانيين لهم حق طبيعي في نوع من الحماية على هذا البلد وأهله.
في يوم السبت الماضي، صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار يطالب بوقف إطلاق نار إنساني في سوريا كان موضع مفاوضات طيلة 15 يوماً للحصول على موافقة روسيا عليه. وبطلب من موسكو أدخلت استثناءات من وقف إطلاق النار للمعارك تشمل أفراداً آخرين ومجموعات وكيانات ومتعاونين مع تنظيمي «القاعدة» و«داعش» وكذلك مجموعات إرهابية أخرى محددة من مجلس الأمن الدولي. هذه الاستثناءات يمكن أن تفتح المجال أمام تفسيرات متناقضة حيث إن دمشق تعتبر فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب »إرهابية». وبالتالي فإن ذلك يهدد الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار. ويعكس هذا بجلاء فصول النار اللامتناهية التي ستعرفها سوريا.