سمير عطا الله
دعا المفكر الدكتور مصطفى الفقي أهل القلم في مصر والعالم العربي إلى نقاش واسع للأوضاع الفكرية في مناسبة مرور ثمانين عاماً على صدور كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» للدكتور طه حسين، العلامة الأكثر شهرة في عصر التألق الذي لم يدم طويلاً، فأعقبته عصور من الكبوات والظلمات والجفاف.
كيف يمكن إحياء هذه المناسبة فيما الغائبون هم: توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، أحمد لطفي السيد، مصطفى صادق الرافعي، عباس محمود العقاد، عبد الرحمن بدوي، وذلك السرب الكبير من أقرانهم في سوريا والعراق ولبنان والسودان والجزيرة العربية وبلدان المغرب.
الثقافة لم تعد هماً ولا شأناً. أمة غارقة في هموم الفقر، وفي وحل الفساد وحضارة الموت والقتل. اختفت من المكتبات منذ زمن المجلات الأدبية التي كانت تملأ العالم العربي، في خجل وصمت، ولم يعد يسأل عنها أحد. وقلّت الكتب ذات الطابع الثقافي إلا المترجَم منها. وقل عدد «الوجوه الثقافية» التي ينتقل حضورها من عاصمة إلى عاصمة.
كانت «الثقافة» بكل وجوهها ومعالمها وعناصرها، شغفاً شاملاً، لأنها كانت جزءاً جوهرياً من الشعور القومي بواجب التقدم. ولذا، كانت وليدة البيوت والمجالس والمدارس. وكانت للمثقف مرتبة عليا جعلت الحكم يتقرب منه وينتسب إليه، وليس العكس. وأصبح الأديب عضواً في نقابة السلطة ومحرراً في دائرة الأناشيد، ولم يعد علماً للوطن وراية للدولة.
من أجل إحياء فكر طه حسين، يجب إحياء عصره، لا ذكره. لم يكن وحيداً برغم ما كان عليه من تفوق وشجاعة وصلابة نفسية لا حدود لها، وجعلت بصيرته بلا حدود أيضاً. قبل ثمانين عاماً كانت مصر تتلهف لتقرأ طه حسين وزكي مبارك وأحمد حسن الزيات وأحمد زكي ومصطفى عبد الرازق وأحمد أمين. أي أن القارئ لم يكن أقل مستوى من الكاتب. والحضور لم يكونوا أقل معرفة من المحاضر.
ربما استطاع الدكتور الفقي، أولاً بصفته الشخصية، وثانياً بصفته أميناً لمكتبة الإسكندرية، أن يرعى من خلال المكتبة إحياء شيء من الألق الثقافي، شرط ألا تغرقه المكتبة في الشؤون الإدارية كما أغرقت الدكتور سراج الدين من قبله. كم يليق أن تتحول الإسكندرية إلى مهرجان ثقافي دائم، وليس مجرد مواسم تذهب وتعود.