: آخر تحديث

اسمه طويل جداً

2
2
2

أحمد المغلوث

حاولت أن تنام ولم تستطع، قرأت بعضا من قصار السور وشربت كأسا من اللبن ربما يساعدها على النوم، ولكن هيهات يبدو أن النوم هرب منها فتفكيرها بات مشغولاً جداً، فهذا ثالت رجل يتقدم إليها وهي ترفض الارتباط لأسباب واهية، وغير مقبولة من والدها ووالدتها، وحتي أقاربها، خاصة وهي الآن توشك أن تبلغ الـ25 سنة، وتتهرب والشاب الذي تقدم إليها هذه الأيام مناسب جداً ولا عيب فيه، بل يعتبر لمن في عمرها «لقطة» وهدية من الله..

لكن ماذا تفعل، وراحت تبكي في صمت ودموعها التي انسابت على وسادتها تكاد تقول لها، أنت السبب بتسرعك، ونتيجة طبيعية وحتمية لسذاجتك.. وهذا طبخك وأكليه.. وراحت تسترجع ما حدث.. نعم. تعرفت على قريبها عبداللطيف على هامش تواجد أسرتيهما في استراحاتي عين «أم سبعة» كانت في العاشرة من العمر.

وما زالت ترتدي «البخنق» المطرز بالزري وهو في الثانية عشرة عندما طرق باب استراحتهم وهو يحمل «نقصة» من عمل والدته أول مرة تشاهده، وهو في هذا العمر كان فتى وسيماً وجذاباً وشعرت بنظراته تكاد تخترق قلبها. وكانت استراحة أسرتها ملاصقة لاستراحتهم، وخلال ساعات اليوم تكررت تردد عبداللطيف عليهم بحجج واهية مرة من أجل أخذ مطبقية النقصة ومرة جاء يستعير قليل من الشاي، فلقد نسيته والدته خلال تجهيز مستلزمات ومتطلبات إقامتهم في الاستراحة لإعداد الطعام وو.... فردت عليه (عويشه) ليست خالتي التي نست الشاي، أمي نست تجيب معها «حب الهريس»، كانت ناوية تعمل لنا ولكم.

(هريسة) والحمد لله وجدت ضمن «المونة» كمية من العيش الحساوي قالت ذلك، وهي تبتسم وبدأ في وجهها غمازتان جعلت عبداللطيف يطالع وجهها بشغف.. وتمضي الأيام ويتكرر لقائهما في مناسبات الأعياد أو الأفراح، وكانت اللقاءات عابرة لم تكن فيها كلمات أو أحاديث ولكنها محصورة في نظرات العيون.

وأحاديثها الصامته التي تقول وتقول فوق هذه المشاعر التي بدأت تنمو في قلبي العاشقين الصغيرين، كان كلاهما له اهتمامه بدراسته، خاصة عبد اللطيف كان جادا في التعلم وحتى الحصول على المال، وهذا ما فعله فسرعان ما بات متدربا في الشركة، وما هي إلا عامين وجاء خبر ابتعاثه لأمريكا لاستكمال تدريبه في مجال عمله، لكن في ليلة عرس قريب من أسرتهم وكانت في السطح مع صويحباتها يشاهدون احتفالية العرس والأغاني الشعبية، والبنات يرقصن على إيقاع أغنية يا عين ماليه. أنت سبب علتي إذا بشقيقته فوزية تقترب منها، وتضع في يدها ورقة صغيرة، وهي تقولها هامسة هذه من عبد اللطيف وانتبهي لا أحد يشوفها كتب فيها ناوي يخطبك ويتزوجك، لكن بعد ما يرجع من أمريكا هو رايح في دورة ويمكن يرجع في إجازة، إذا كنت تحبيني نتزوج وتسافرين معي إلى أمريكا المهم اكتبي اسمي الثلاثي في ساعدك دليل اهتمامك وارتباطك بي بس لا أحد يعلم، هذا سر ومع السلامة، هذا ما كتبه لحظتها لم تفتح الورقة التي جعلها صغيرة تكاد لا تتعدي مقاس طابع البريد كان حذرا.

خوفاً من أن تلاحظها إحدى البنات.. لكنها كانت بشوق عظيم لقراءة محتوى الورقة، راحت تردد وهي تتكي على جدار السطح وتتأوه بصوت خفيض فالتفتت إليها صاحبتها «سوير» خير عسى ما شر. فراحت تشير إلى جنبها وهي تواصل التأوه، وهي تقول أحسن لي انسحب وارجع البيت يمكن أجد جدتي تعطيني مسكن أو أخذ مرة تخفف عني الوجع فردت عليها سوير وهي تطبطب على كتفها نعم الصواب ما ذكرتيه، دعيني أكلم أم مبارك توصلك لبيتكم الوقت متأخر الآن..

وتمضي الأيام وتكبر «عايشة» ومع مرور الأيام تزداد حلاوة وجمالا «عايشة» وكل شاب من أسرتها وحتى من خارج أسرتها يتمنى الزواج منها بل بعضهم تقدم لوالدها طالبا أن تكون زوجته وأما لأولاده، ولكنها كانت ترفض بل وتتعلل كاذبة بأنها سمعت عنه في المدرسة من بعض من زميلتها أنه وأنه.. لذلك لا تريد الزواج من رجل له ماضٍ!؟ وبات والداها في حيرة من أمرها من عدم رغبة ابنتهما في الزواج.. في الطريق إلى بيتهم وبعد تردد قالت «عايشة» لأم مبارك يا خالتي ودي أطلب منك شيء لكن خايفة..

فالتفتت إليها أم مبارك أبشري سرك في عين ولا عين نجم أمري وتدللي، فلم تتردد أن أخبرتها عن رغبتها في كتابة اسم خطيبها على فخذها تأكيداً على محبته له وتعبيرا لاخلاصها فردت عليها أمري وتدللي لي معرفة من بعيد بأمرأة تبيع في سوق الأربعاء وحتى الخميس وتأتي من القرى، وحسب ما يقال أنها خبيرة في الكتابة، وعمل نقش الحنة.. ومضت أسابيع وبدأ القدر أن يتيح لها كتابة اسم خطيبها أو حبيبها وكان اسمه طويل. فكتبته الخبيرة وكان الخط يطالع فوق ينازل تحت وبات غير منسجما لكنه واضحا للعيان ويكاد يخرج من سطح جلد فخذها، ولا تدري عايشة بعد أيام كيف طاعت خطيبها وأقدمت على تشويه فخذها، وكيف حدث هذا كله.. خاصة واسمه طويل جداً بداية من أعلى الركبة ليصل لنصف الفخذ لقد جلست ثلاثة شهور وهي تعالج الالتهاب الذي راح «يتقيح» يوماً بعد يوم.. ولولا أنها محظوظة ووالديها كانا يتسمان بالحكمة وحسن التصرف فلم يترددا أن يسافروا بها إلى المنامة وراجعوا مستشفى الإرسالية الذين طلبوا أن تمكث فيه عدة أيام وبعدها تراجعهم بين فترة وأخرى..

والمفاجأة الكبرى، بل والحزينة أن عبد اللطيف عاد من أمريكا مصطحبا معه زوجة عربية تعرف عليها في المعهد الذي كان يدرس فيه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد