: آخر تحديث

الصحراء ترتوي ماءً من هوائها وشمسها

122
123
120

  أحمد مغربي 

هل راسخ في ذهنك أنّ الصحراء مساحات شاسعة من رمال جافة، يهيمن عليها الظمأ، وتتوق إلى الماء فلا تجده؟ إنس تلك الصورة. تستطيع الصحراء أن ترتوي ماءً يأتي من هوائها، بل إنّ الحصول على ذلك الماء لن يلوّث الهواء لأنّه يتمّ باستخدام طاقة الشمس النظيفة.

ربما هزّ بعض القرّاء في الخليج العربي رأسه عند قراءة تلك الكلمات، لأن ندرة الماء باتت بعيدة فعليّاً عن مساحات واسعة من بلدانهم، بفضل جهود وتوظيفات حكوميّة كبرى في المياه، ولأن «شيئاً ما» يبدو أنّه تغيّر، فتتابعت مواسم ممطرة (بل مع ثلوج أحياناً) في شتائها الذي اعتاد طويلاً أن يكون جافاً.

رغم كل ذلك، يبقى الماء مطلوباً وعزيزاً. ويكفي تذكّر الأموال الضخمة التي تُستثمر في مشاريع تحلية المياه، ونقلها وضخها إلى مسافات تصل إلى مئات من الكيلومترات أحياناً.

ماذا لو تغيّرت تلك الصورة كليّاً، وصار ممكناً الحصول على الماء في الصحراء بسهولة من الهواء؟ ذلك ما تعد به آلة تشبه الإسفنجة وتستطيع امتصاص الرطوبة من الهواء مهما كان جافاً، بل تعطي 3 ليترات يوميّاً لكل كيلو تجمعه من تلك الرطوبة غير الظاهرة. فماذا إن كان عالِمٌ أميركي - أردني متألق في «جامعة كاليفورنيا - بيركلي»، هو الذي ابتكر تلك الأداة التي تنطق بعمق ما يربطه مع بلده؟

وقاد البروفسور عمر مؤنس ياغي، المختص في الكيمياء، فريقاً علمياً للاشتغال على مواد كريستاليّة الشكل وعضويّة التركيب، تُعرف علميّاً باسم «موفس» (MOFs) اختصاراً لمصطلح «Metal Organic Frameworks» بمعنى «الأطر المعدنيّة العضويّة». ولا توجد تلك المواد الكيماويّة التي تشبه الكريستال وتحوي ثقوباً كإسفنجة، في الطبيعة، بل لم تكن معروفة قبل عشرين عاماً عندما ابتكرها ياغي أيضاً. وخلال العقدين السابقين، سار علماء الكيمياء على خطى ياغي، وصنعوا حوالي 20 ألفاً من الـ «موفس».

وعام 2014، تمّكن ياغي وفريقه العلمي من تركيب مادة «موفس» التي أبدت تفوّقاً في قدرتها على امتصاص الرطوبة من الهواء، حتى عندما يكون جافاً.

ويُقدّر أن الغلاف الجوي يحتوي على 13 تريليون ليتر من الماء في أي لحظة، ويساوي ذلك عُشر ما تحتوي عليه الأرض من مياه حلوة في أنهارها ومحيطاتها كلّها. لقد بات كل ذلك الخزّان الضخم في متناول الصحراء وأهلها.

ولم تكن يد المرأة المشتغلة في العلوم، بعيدة عن ذلك الإنجاز الواعد، إذ تعاون ياغي مع إلفين وانغ، وهي مهندسة ميكانيكيّة في «معهد ماساشوستس للتقنية»، وركّبا نوعاً جديداً من الـ «موفس» يستند إلى مادة الـ «زيركونيوم»، وسميّاه «موف- 801» (MOF - 801).

ووفق مقال نشرته مجلة «ساينس» العلمية (وهي ناطقة بلسان «الجمعية الأميركيّة لتقدّم العلوم»)، يعمل «موف - 801» بطريقة تذكّر بما يحصل في الأشجار وأنواع النبات، إذ يمتص الرطوبة ليلاً، ويجمعها ضمن الثنايا البلوريّة للـ «موف - 801». ويتغيّر عمله نهاراً، إذ يستفيد من ضوء الشمس في تبخير ذلك الماء الليلي في غرفة مقفلة، ثم يجري تكثيف البخار ليصير ماءً عذباً منعشاً.

وعلّق البروفسور ميركوري كاناتزيديس، وهو بروفسور كيمياء في جامعة «نورث ويسترن» الأميركيّة، على ابتكار ياغي قائلاً: «حصدُ الماء من هواء الصحراء كان حلماً راود الأدمغة طويلاً وتحقّق الآن».

وحاضراً، يبدو ابتكار ياغي مكلفاً لأن كل كيلو من الـ «زيركونيوم» يكلّف حوالي 150 دولاراً. وفي الأفق القريب، يرى ياغي أن الأمر سيتغيّر لأنه يعمل مع فريقه على ابتكار آلة مُشابِهَة تكون مستندة في عملها إلى نوع من الـ «موف» أساسه مادة الألومنيوم الشائعة التي يقلّ ثمنها عن الـ «زيركونيوم» مئة مرة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد