إدريس لكريني
منذ إعلان المغرب عن توجهّه نحو العودة إلى الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً)؛ وتقدمه بطلب رسمي في هذا الخصوص قبل بضعة أشهر؛ تناسلت النقاشات السياسية والأكاديمية داخل المغرب أو في عدد من الدول الإفريقية؛ والتي تعكس في عمقها الأهمية الاستراتيجية لهذه المبادرة؛ سواء بالنسبة للمغرب أو بالنسبة للقارة الإفريقية بشكل عام.
نال هذا الموضوع اهتماماً كبيراً من التداول في أوساط أعضاء الاتحاد؛ منذ الرسالة التي بعث بها العاهل المغربي محمد السادس إلى القمة الإفريقية السابعة والعشرين للاتحاد؛ التي انعقدت بالعاصمة الرواندية «كيغالي» يومي 17و 18 يوليو/تموز 2016؛ والتي تلاها توقيع أكثر من نصف الدول الأعضاء بالاتحاد (28 دولة) على رسالة يرحّبون فيها بهذه العودة من جهة؛ ويدعون من خلالها أيضاً إلى تجميد عضوية «البوليساريو»؛ كسبيل لتجاوز الخطأ التاريخي الذي سقطت فيه المنظمة بقبول عضوية كيان وهمي لا تتوافر فيه مقوّمات الدولة؛ كما هو متعارف إليه بموجب القانون الدولي.
ومنذ ذلك الحين؛ لم تتوقف جهود المغرب باتجاه توفير المناخ الداعم لهذا الانضمام؛ وهو ما عكسته الزيارات الملكية الأخيرة إلى عدد من الدول الإفريقية؛ بما فيها تلك التي ظلّت فيها العلاقات بين الجانبين سطحية لسنوات عديدة؛ بما سمح بعقد عدد من الشراكات والاتفاقيات التجارية والاقتصادية وأتاح توضيح مواقف المغرب إزاء مختلف القضايا المشتركة..
في خضم هذه الأجواء؛ أكدت وزارة الخارجية والتعاون المغربية أن هناك 40 دولة من مجموع 53 عضواً بالاتحاد (أي أكثر من ثلثي الأعضاء)؛ تدعم عودة المغرب إلى هذا الأخير، وهو ما يفتح باب الانضمام في شروط قانونية مريحة؛ ويؤكد فشل بعض القوى المناوئة لمصالح المغرب ووحدته الترابية؛ في محاولاتها الرامية للتشويش على هذا المسار..
وفي هذا السياق؛ وكإجراء احترازي لتلافي أي مفاجآت أو ردود غير متوقعة من بعض الأطراف داخل المنظمة؛ قام البرلمان المغربي بغرفتيه بالتصويت بالإجماع أخيراً على القانون التأسيسي للاتحاد الموقّع في لومي عاصمة «توغو» في الحادي عشر من شهر يوليو لعام 2000..
أفرزت هذه المصادقة نقاشات متباينة؛ تعكس في مجملها الحرص على الوحدة الترابية للمغرب؛ بين من رأى في الخطوة تدبيراً استباقياً طبيعياً يتيح قطع الطريق على أي ذريعة أو ملاحظات يمكن للخصوم طرحها لعرقلة أو تأجيل استكمال تدابير الانضمام، وبين من اعتبر الأمر «مغامرة» تطرح إشكالات قانونية «معقّدة» من شأنها أن توحي باعتراف ضمني بكيان «البوليساريو»..
بغض النّظر عن هذا الجدل القانوني والسياسي؛ يمكن القول إن القرار يجب أن يقوم على أساس استراتيجية وعلى قاعدة الربح والخسارة؛ أي بقراءة دقيقة ومتأنية لكلفة الكرسي الشاغر من جهة؛ وما يمكن للمغرب أن يحققه من وراء هذا التوجه القاضي بالانضمام.
فهذا الهدف (الانضمام) يحرّكه بالأساس السعي لإسماع وجهة نظر المغرب دون وسائط داخل أروقة ومؤسسات الاتحاد؛ وإلى الدفع نحو تراجع المنظمة عن خطئها التاريخي الذي كان وراء خروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية في السابق، عبر إقناع الدول الأعضاء بوجاهة الموقف المغربي. خصوصاً وأن القبول ببقاء «البوليساريو» ضمن عضوية المنظمة هو تكريس لسابقة يمكن أن تليها مواقف عدائية مماثلة للاتحاد تجاه دول إفريقيا المعروفة أصلاً بتنوعها المجتمعي.. بما فيها الجزائر نفسها. كما أن حالة الانتظار وسياسة الكرسي الشاغر لا يمكن أن تمثّل بأي حال من الأحوال بديلاً مجدياً في هذا الصدد.
إن استحضار الظروف التي ترافق هذا التوجه؛ تبرز أن الأمر لا يشكل مجازفة سياسية أو قانونية؛ بقدر ما يشكّل ترجمة للدينامية التي شهدتها السيّاسة الخارجية في السنوات الأخيرة؛ على مستوى تعزيز التعاون في إطار جنوب - جنوب؛ وطرح مشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية؛ وتطور العلاقات المغربية - الإفريقية على مختلف الواجهات..
ومن هذا المنطلق؛ لا تشكّل هذه المصادقة وما سيترتّب عنها من انضمام؛ اعترافاً ضمنياً ب«البوليساريو» على اعتبار أن هذا النوع من الاعتراف يحيل ضمن ما هو متعارف إليه في الفقه الدولي إلى التعامل مع «الكيان الجديد» على مستوى إبرام الاتفاقيات وتبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية دون أن يكون هناك اعتراف رسمي به عبر القنوات الدّبلوماسية الصادرة عن السلطات المختصة، وهو ما لا ينطبق على هذه الحالة مطلقاً.
لا شك أن هذا الانضمام سيفيد المغرب في تعزيز علاقاته مع دول القارة؛ ودعم التعاون والتنسيق الإفريقيين؛ كما أنه سيتيح المرافعة بشأن قضية الوحدة الترابية؛ وتجاوز الفراغ الذي سمح بإسماع صوت أحادي حول الموضوع على امتداد عدة عقود؛ بل والدفع باتجاه تجاوز الخطأ التاريخي للمنظمة والذي كان وراء مغادرة المغرب لها في السابق؛ خصوصاً وأن الوضعية التي تحظى بها «البوليساريو» داخل الاتحاد تظلّ هشة ومنافية لأهداف وتوجهات المنظمة ذاتها التي يؤكد قانونها التأسيسي على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومناقضة أيضاً لمبادئ الأمم المتحدة المعنية الرئيسية بتدبير ملف الصحراء؛ وهو ما تجسده الفقرة الأولى من المادة 52 من الميثاق الأممي بصورة واضحة؛ حيث تؤكد أنه «ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً، ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد «الأمم المتحدة» ومبادئها».
يبدو أن انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي بعد سنوات من نهج سياسة المقعد الشاغر الناجمة عن مغادرة منظمة الوحدة الإفريقية في ظروف إقليمية ودولية خاصة؛ أصبح واقعاً؛ لكنه يظل بداية؛ ستكون بحاجة إلى مواكبة وتفعيل؛ بالنظر إلى المحاولات التي تقوم بها بعض الأطراف للتشويش على هذا الانضمام أو التقليل من أهميته وانعكاساته..