: آخر تحديث

بين الطموح والرضا

5
3
2

في قلب كلٍ منا صراعٌ متواصل بين طموح ما نــأمل، وبين الرضا بما نحن عليه، هذا التدافع طبيعي، ودليل حياة نابضة ومتقدة، لنفس تنمو وتتطور، فكيف نوازن بين هاتين الرغبتين اللتين تبدوان في الظاهر متناقضتين، لكنهما في الحقيقة جناح طائر واحد؟

الرضا هو طمأنينة القلب بعد السعي، وهو إدراك أن ما لدينا اليوم هو نعمة تستحق الشكر، وقبول ما قُسم لنا، بينما الطموح هو الرغبة التي تدفعنا نحو الأفضل، نحو تجاوز المكتسبات وتحقيق الأحلام، وهي رغبة حميدة ضمن إطارها الطبيعي وحدود توقعاتنا، لكن حين يغيبُ التوازن بين الرغبتين، قد نغرق في بحرين متلاطمين: إما نفقد الشغف بسبب زيف "الرضا"، فيتحول شعور الرضا إلى كسَل مُقنع، أو جموحٌ غير محسوب تحت راية "الطموح"، يُنسينا السكون ونعمة الاكتفاء.

غير أن السر يكمن في إدراك أن الرضا لا يعني التوقف عن الطموح والأمل، بل أن تستمر في سعيك وأنت ممتن، أن تستمر في آمال طموحك وأنت مدرك لقيمة ما لديك اليوم، أن ترضى عن يومك، ولا تكفّ عن جهود بناء غدٍك، وهذا الرضا المتوازن لا يُعطل الطموح، بل يمنحه أساساً ثابتاً يعتمد عليه.

لأن السعادة في الحقيقة ليست فقط لذة تحقيق الإنجازات المتواصلة، بل بحصول طمأنينة وسكينة الرضا الناتج عن تحقيق أحلامك، ورضاك عن نفسك، وهو ما لا يتم إلا بتحديد أهداف واقعية، وتقدير التقدم مهما كان بسيطاً، والأهم بالحرص على تعلم مهارة "الامتنان"، بوعي لما نملكه، والاستمرار بممارستها ونشرها حولنا، لأن هذه العادة البسيطة ترسخ في القلب رضا لا يلغِي الطموح، بل يضبطه.

من المهم أن نفصل بين "قيمة الذات" و"مستوى الإنجاز"، لأن نجاحك مهما كان كبيراً أو مبهراً لا يزيد من إنسانيتك، وأيضاً فشلك لا ينقص منها، فهي إنجاز مرتبط بعوامل وظروف متنوعة، وهذا الوعي الداخلي يمنع "طموحك" أن يتحوّل إلى جلدٍ للذات.

من الحكمة يا صديقي أن نُدرك أن الحياة مراحل، ولكل مرحلة خصائصها وظروفها، ففي في مرحلة ما يكون السعي هو الأولوية، وفي أخرى يكون الحفاظ على ما أنجز هو الأولى، وبالطبع ليس عيباً أن تتغير بوصلة الطموح، ولا بأس أن نستريح حيناً لنستعيد توازننا.

ليس علينا أن نختار بين الرضا والطموح على حساب أحدهما، بل الأفضل أن نصوغ من كليهما ما يناسب شخصيتنا وظروفنا، لتكون معادلة حياة متزنة، مليئة بالسعي النبيل والامتنان الهادئ، لنصبح أكثر صلابة خارجياً، وأعمق سلاماً داخلياً.

رسالتي ببساطة: لا تجعل طموحك يحجب عنك جمال ما في يديك اليوم، ولا تجعل رضاك يُطفئ بريق ما يمكن أن تحققه في المستقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد