زبيدة الخواتري
أسدل الستار على فعاليات الدورة الـ13 لمهرجان دبي السينمائي الدولي. بعد أن شد إليه أنظار المتتبعين، المهتمين بالفن السابع، من كل أقطار العالم، طيلة الثمانية أيام من عمر هذه التظاهرة الهامة. والذي حضرها نخبة من النجوم في سماء صناعة السينما العربية والعالمية، حيث شكلت عرسا بهيا للاحتفاء بالسينما والسينمائيين، إذ تم تكريم أفضل المواهب السينمائية المتميزة إقليميا وعالميا. وإلى جانب الصور الرائعة لنجوم السينما العالمية والعربية فوق السجادة الحمراء حازت العروض وجلسات النقاش والندوات والاحتفالات المرافقة على اهتمام كل المتتبعين من صحافة وحاضرين. كما أشاد الجميع بالتنظيم والمتميز لهذا الحدث.
وما ميز هذه الدورة هو الحضور اللافت للمواهب الشابة الواعدة، التي حظيت بكل الاهتمام والدعم، وأتيحت لها فرص الاحتكاك بالسينمائيين الكبار من منتجين ومخرجين وكتاب السيناريو وشركات التوزيع، ومن ضمنهم العنصر النسائي الشاب… وقد أضفى هذا الحضور الشاب والاهتمام به حرارة وحركية على هذه التظاهرة.
وهذا ما أشار إليه المنظمون باعتبار أهم أهداف هذه الدورة هو تسليط الضوء على صناع السينما العرب، والدفع بنمو هذه الصناعة محليا وإقليميا. وإتاحة المجال لصناع الأفلام المحليين لعرض أعمالهم دوليا.
وقد شدت الأمكنة التي احتضنت أشغال المهرجان وحفلاته وما يحيط بها من هندسة معمارية، أنظار الزوار لما تشي به من تفتح على التراث العالمي، في هذا المجال. ناهيك عن الأجواء الساحرة التي تلبسها المدينة خلال الليل، وكأننا في حلم ممتد من الشاشة إلى الواقع.
في القرية العالمية «جميرا» التي شُيدت باستلهام مدينة «البندقية»، بعباءة عربية أصيلة، اختار المنظمون أن تكون الليلة الختامية بمسرحها، الذي رغم صغره وفر لحفل توزيع الجوائز أجواء حميمية ومؤثرة. حيث أماطت الدورة عن نتائجها.
ومن جانب آخر قدم المخرج المغربي حكيم بلعباس في هذا المهرجان العرض الأول لفيلمه الطويل «عرق الشتا»، الذي تنافس مع 17 فيلما آخر على الجائزة الكبرى في مسابقة «المهر الطويل».
وقال في تصريح إن الفيلم يتطرق إلى موضوعين أساسيين، هما تشبث الإنسان بالأرض وبعلاقاته الاجتماعية، كما «يطرح تساؤلات عن أكثر الأشياء التي تحركنا»، كما قال المخرج المغربي.
ويسرد فيلم «عرق الشتا» قصة رجل يجد نفسه في دوامة من القروض، التي تكاد تخنقه، فينصحه بعض من معارفه ببيع الأرض التي لم يعد يجني ثمارها بسبب الجفاف، غير أنه يرفض الفكرة لأنه يرى أن فيها عرق أجداده.
بالإضافة إلى امبارك، الشخصية الرئيسية في الفيلم، اختار بلعباس أن يمنح أيوب، شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة دورا بطوليا يعكس من خلاله العلاقات الإنسانية والتعامل غير اللائق مع هذه الفئة من الناس.
كما قال بلعباس إن مشاركته في مهرجان دبي ليست الأولى، حيث يتلقى دعوة كل سنة، ما جعله يربط علاقة صداقة مع الممثلين والمخرجين ومنظمي المهرجان.
وأشاد المخرج المغربي بجودة التنظيم، مؤكدا أن المهرجان فرصة سانحة للتعرف على صناع السينما من مختلف دول العالم.
ونال المخرج المغربي داوود ولاد السيد إحدى جوائز ملتقى دبي السينمائي من المنظمة الدولية للفرانكفونية، والتي تبلغ قيمتها المالية 5 آلاف أورو، عن فيلمه الدرامي «تودا» للمنتجة لمياء الشرايبي، والذي صور في منطقة أغافي وهوارة في المغرب. إذ استطاع هذا الفيلم الذي تبلغ مدة عرضه 100 دقيقة، نيل إعجاب اللجنة المتكونة من ثلاثة أسماء مرموقة في صناعة السينما، وهم غابرييل خوري ومايك غودريدج ومولي أوكيف، والتي تابعت أفلام من مختلف الدول الناطقة باللغة الفرنسية. وتدور أحداث الفيلم الفائز بالجائزة، الذي لعبت فيها دور البطولة كل من منى فتو، فاطمة عاطف، وسلام دابيلا، عن فنانة لها شهرة واسعة النطاق تدعى تودا، تعتبر الوحيدة التي تقود فرقة شعبية مؤلفة من 12 فنانا، بالإضافة إلى زوجها بلعيد. تقرر تودا الاعتزال بعد زيارتها للديار المقدسة، فتتلقى فرقتها الخبر كالصاعقة وتحاول على مدى الفيلم إقناعها بالعدول عن قرارها ملحين عليها حتى ترافقهم في جولة فنية في أمريكا.
وقال داوود في تعليق له عن مشاركته في ملتقى دبي السينمائي، «يعد ملتقى دبي السينمائي المنصة المثالية للتعرف على المنتجين ووكلاء المبيعات والموزعين المهتمين بمنطقتنا «.
كما خصص ملتقى دبي جوائز أخرى للسنة الحالية، فاز بها إليان الراهب والمنتجة لارا أبو سعيفان عن «العائلة الكبرى»، والمخرج عمر هفاف والمنتجة ماري بلدوشي عن فيلم»ما زالت الجزائر بعيدة»، والمخرجة دارين ج. سلاّم والمنتجة ديمة عازر عن «فرحة»، والمخرج مهند حيال والمنتجة هلا السلمان عن «شارع حيفا»، والمخرجة هيام عباس والمنتجة سابين صيداوي عن «غبار الطفولة».
وأوضحت إدارة المهرجان أن الجوائز التي يبلغ مقدارها 50 ألف دولار تهدف بالأساس إلى دعم المشاريع السينمائية، وتكوين شبكات للتواصل مع الخبراء العالميين في القطاع السينمائي، ولمساعدة صناع السينما على إيصال أعمالهم إلى الشاشة الكبيرة.
وبشأن مشاركة الأفلام المغربية عرفت الأفلام حضورا ضعيفا مقارنة مع باقي الدول العربية، خصوصا مصر ولبنان وتونس، إذ تم عرض فيلمين فقط، من بينهما «عرق الشتا» وفيلم «خلف الجدار» للمخرجة والمنتجة كريمة زبير، المشاركة في مسابقة «المهر القصير».
وتحكي كريمة زبير في فيلمها القصير عن طفلة تسمى نادية، تعتبر مصدر قلق عائلتها بسبب اقتراب الدخول المدرسي، وما يشكله ذلك من خطر على أمنها وسلامتها.
وجدير بالذكر أن مهرجان دبي السينمائي اختار 156 فيلما عربيا وعالميا لعرضه على الجمهور.
ومن أبرز الأفلام المشاركة في المهرجان والتي عرفت إقبالا وصدى طيبا عند الجمهور، الفيلم اللبناني «محبس»، الذي ارتأت مخرجته صوفي بطرس التطرق عبره لأزمة العلاقات اللبنانية السورية بقالب جديد يعتمد أساسا على الكوميديا.
وعبرت بطرس من خلال عملها السينمائي عن رأيها في قضية العنصرية التي يعرفها الشعبان ضد بعضهما، مؤكدة من خلال نهاية الفيلم أن العلاقات التي تجمع بين الشعبين أزلية ويغلبها عليها الحب أكثر من الكراهية.
وارتأى المخرج اللبناني هادي زكاك التنقيب في التاريخ للمحافظة على الذاكرة من خلال فيلم «يا عمري»، معتبرا أنه أصبح من الضروري التوثيق، إذ «أصبحت مجتمعاتنا فاقدة للذاكرة» على حد قوله. ويحكي الفيلم عن الجدة «هنرييت»، التي يزيد عمرها عن مائة سنة، والتي تسرد قصة هجرتها من لبنان إلى البرازيل، معتبرا جدته جزءا من ذاكرة الشعب اللبناني.
وضمن قائمة الأفلام المعروضة في المهرجان، لفت الفيلم المصري «مولانا»عددا كبيرا من الجماهير، خاصة أنه تطرق لموضوع حساس، جمع فيه المخرج أحمد مجدي بين الدين والسياسة.
أما المخرج الفلسطيني مهند يعقوبيان، فقضيته الوطنية كانت التيمة التي اشتغل عليها في فيلمه «خارج الإطار أو ثورة حتى النصر»، وتتجسد فكرة الفيلم في تجميع أرشيف يشمل عددا كبيرا من الأفلام التي أرخت للثورة الفلسطينية بمختلف مراحلها، وسرد طريقة تناول كل عمل سينمائي للقضية الفلسطينية.