بيروت: من رام الله إلى بيروت، مروراً بدمشق وبغداد والقاهرة ومدن أخرى، أيقظ هجوم حركة حماس على إسرائيل تضامناً عربياً شعبياً: حلقات رقص وتوزيع حلوى، هتافات مؤيدة في الملاعب، بينما وسم "طوفان الأقصى" يجتاح الانترنت.
منذ اللحظات الأولى لعملية حماس المباغتة وغير المسبوقة لناحية الحجم والأسلوب في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات مؤيدة ومهلّلة للهجوم الذي تزامن مع الذكرى الخمسين لحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.
في أحياء عدة في بيروت وفي ضاحيتها الجنوبية، معقل حزب الله، سارع سكان السبت إلى توزيع الحلويات ابتهاجاً. وتكرّر المشهد في دمشق ومدن عدة في الضفة الغربية حيث انطلقت تظاهرات مؤيدة حمل فيها المشاركون رايات حركة حماس الخضراء، من دون أن تتدخل الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية كالعادة لإنزالها.
وقال بائع القهوة فرح السعدي (52 عاماً) في رام الله لوكالة فرانس برس، "أنا فخور بما جرى في غزة، لأنني طيلة عمري أرى إسرائيل وهي تقتل فينا وتصادر أراضينا وتعتقل أبناءنا".
ويضيف الرجل الذي له ابن معتقل لدى إسرائيل، "فرحت بما قامت به حماس، لكنني أتخوّف مما ترتكبه اسرائيل من جرائم في غزة".
وحلّ التضامن بدل الانقسام المزمن القائم بين الفلسطينيين منذ العام 2007، تاريخ طرد حركة فتح من قطاع غزة وتفرد حركة حماس بالسيطرة عليه.
ويقول منسّق القوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية عصام أبو بكر لفرانس برس "لا أعتقد أن هناك فلسطينياً واحداً لا يؤيد ما جرى"، مذكرا أن "إسرائيل أدارت ظهرها لكل عمليات التفاوض السياسي".
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، قتل خلال الأيام الأربعة الماضية 18 فلسطينيا وأصيب أكثر من 85 آخرون بجروح خلال مواجهات وقعت عقب تظاهرات تضامنية مع قطاع غزة ومنهم خلال تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
وقتل 900 شخص في إسرائيل منذ بدء هجوم حماس، وردّت إسرائيل بقصف جوي ومدفعي على قطاع غزة أوقع بحياة 687 شخصا.
في لبنان، حيث ينقسم الرأي العام عموماً تجاه حركة حماس، يجاهر كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بتأييدهم لحقّ الفلسطينيين في استعادة حقوقهم.
وكتبت دارين دندشلي على منصة أكس (تويتر سابقاً)، "نجلس خلف الشاشة ونتابع الأخبار. لسنا قادرين على فعل شيء إلا أن نكتب رسائل تضامن مع أهلنا في غزة وكل فلسطين".
في مدينة صيدا (جنوب)، بثّت مساجد عدة في المنطقة المتاخمة لمخيم عين الحلوة، أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، تكبيرات وابتهالات دينية نصرة "للمقاومين الفلسطينيين".
وفي مقطع مصوّر نشرته على تطبيق إنستغرام، تختصر الكوميدية اللبنانية شادن فقيه ما يردّده لبنانيون وعرب كثر لناحية التعاطف مع الفلسطينيين، بغضّ النظر عن الموقف من حماس.
وتقول فقيه "أستطيع أن أكون ضد حماس، وأؤيد أي مقاومة مسلّحة ضد المحتل".
في دمشق، أضاءت دار أوبرا دمشق العلم الفلسطيني على جدارها. وجالت مسيرات سيّارة في شوارع عدة في المدينة، تزامناً مع بثّ أناشيد حماسية داعمة لـ"المقاومة" الفلسطينية عبر مكبّرات الصوت.
وتشرح مرح سليمان، وهي موظفة في جامعة دمشق (42 سنة) لفرانس برس "أؤيد الفلسطينيين لأن الحق معهم وليس لديهم ما يخسرونه بعد كل ما تعرضوا له من قتل وتدمير وتهجير".
وتتابع "نعرف جميعنا أنّ الحق لا يستردّ إلا بسواعد أهله"، معتبرة أن هجوم حماس "حرّك فينا شعوراً لم يتحرك منذ سنوات بعيدة، وعادت لنا روح المقاومة والأمل بأنه سيأتي يوم يكون رأسنا مرفوعاً".
وتصدّرت وسوم #طوفان_الأقصى، و#فلسطين، و#غزة_تحت_القصف، و#فلسطين_قضيتي منصة أكس في غالبية الدول العربية. وبدا لافتاً التضامن الإعلامي الواسع مع الفلسطينيين وفتح الهواء لمحللين وضيوف تحدثوا عن الحجم غير المسبوق للهجوم ودلالاته في هذا التوقيت.
في تونس، أعلنت أحزاب ومنظمات عدة الإثنين تشكيل "اللجنة الوطنية لدعم المقاومة في فلسطين". ودعت الى المشاركة الواسعة في مسيرة تنظمها الخميس "نصرة للمقاومة الفلسطينية". وبينما رفع الطلاب التونسيون في المدارس صباح الاثنين العلم الفلسطيني الى جانب علم بلدهم، وأدوا التحية له، بناء على دعوة من وزارة التربية، أضاءت ألوان العلم الفلسطيني برج مدينة الثقافة في العاصمة ليل الإثنين.
وإذا كانت الحكومات العربية أكثر خجلا من شعوبها في الموقف مما يجري، فإن الرئيس التونسي قيس سعيد هو أكثر المسؤولين العرب حماسا لدعم "المقاومة الفلسطينية".
وأعربت الرئاسة التونسية الأحد عن "وقوفها الكامل وغير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني". وقالت إن "على العالم كلّه" أن يعترف "بحق المقاومة المشروعة للاحتلال ولا يعتبرون هذه المقاومة اعتداء وتصعيدا".
في مصر حيث تمنع السلطات تنظيم تظاهرات، اختار مشجعو نادي الأهلي التضامن مع فلسطين على طريقتهم. وخلال مباراة جمعت فريقهم مع الاسماعيلي، صدحت حناجر المئات منهم من على المدرّجات "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين".
وبينما أقيمت وقفة تضامنية رمزية أمام الجامعة الأميركية في القاهرة، أشاد مقدمو برامج حوارية غالباً ما يكون خطابهم معادياً بشدة لحركة حماس، بـ"مقاومة من شعب أرضه +راحت+ عليه"، معتبرين أن ما جرى ضرب "نظرية الأمن الإسرائيلية".
في بغداد، نظمت فصائل عدّة موالية لإيران ومنضوية في قوات الحشد الشعبي المدعوم من إيران، تظاهرات ووقفات تضامنية، رُفعت خلالها الأعلام الفلسطينية.
وداس متظاهرون خلال وقفة تضامنية لأنصار كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد، السبت في ساحة التحرير على الأعلام الاسرائيلية وأحرقوها.
ودعت الحكومات العربية إجمالا الى وقف التصعيد وضبط النفس، معتبرة أن ما جرى نتيجة عدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، لا سيما في دولة. لكن لفت موقف كل من الإمارات والبحرين، الدولتين الخليجيتين اللتين طبعتا علاقاتهما في العام 2020 مع إسرائيل، لجهة انتقادهما أخذ مدنيين إسرائيليين رهائن.
رغم ذلك، شارك العشرات من البحرينيين في مسيرات دعماً لعملية "طوفان الأقصى" تنُظم بشكل يومي منذ انطلاق الهجوم. ويغطي المشاركون وجوههم، بعضهم بكوفيات فلسطينية وبينهم نساء منقّبات، خوفاً من أي عواقب كون التجمّع غير مرخّص.
وقال متظاهر (29 عامًا) رفض الكشف عن اسمه "سندعم دائمًا أشقاءنا في فلسطين. لو كان بإمكاننا الوصول إليهم لكنّا قاتلنا إلى جانبهم".
في الدوحة التي تستضيف مكتبًا لحركة حماس، خرجت مسيرة سيارات مساء الأحد وأُضيئت مبانٍ وساحات بالعلم الفلسطيني.
في الكويت، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية حملة تبرعات للفلسطينيين. ونظمت رابطة "شباب لأجل القدس"، وهي جمعية كويتية، تجمعين شارك فيهما العشرات.
وقال المتحدث باسم الرابطة عبد العزيز الدمخي لفرانس برس "في الكويت، نؤمن أن البوصلة التي لا تتجه نحو فلسطين مشبوهة".
بورز-لار/رض