: آخر تحديث
المطلوب استعادة الثقة مع الشركاء في الخليج

الشرق الأوسط: تتعدد الأقطاب لكن يبقى الردع أميركيًا

20
19
21

إيلاف من بيروت: هل يقلل التركيز الاستراتيجي الأميركي على الشرق الأوسط من احتمال انتشار السلاح النووي؟ وإن حدث انتشار نووي في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ 

سؤالان من بين أسئلة جيوسياسية عديدة، المراد منها حسن فهم هذه القضايا، طرحت في طاولة مستديرة، عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، بمشاركة 14 خبيراً إقليمياً، أعقبتها نقاشات شارك فيها 20 خبيراً إقليمياً ومتخصصًا في موضوعات متصلة بالشرق الأوسط ومشكلاته وصراعاته. 

بدايةً، لم يرجح المشاركون في هذه الطاولة المستديرة، في السنوات الخمس المقبلة، أن يتمتع أي بلد غير الولايات المتحدة أهمية كبيرة في "سيناريو الانتشار النووي"، ومع ذلك، فإن تأثير الولايات المتحدة على الحوادث سيكون محدودًا جدًا. إلا أنهم رجحوا أن تكون متانة العلاقات بين واشنطن وتل أبيب واستدامتها هي العامل الأهم في المعادلة التي تحكم تطور الحوادث في المنطقة.

سيناريو استشرافي

قامت الطاولة المستديرة التي عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على محاكاة استشرافية، الهدف منها توقع افتراضي لما يمكن أن يحدث في عام 2027، وفق السيناريو الآتي: كانت الولايات المتحدة مستمرة في سحب قواتها من الشرق الأوسط، وتم التخلي عن المفاوضات النووية مع إيران قبل عام، أي في عام 2026. 

فجأة، اختبرت إيران سلاحًا نوويًا. وبعد شهرين من هذا الاختبار، أغارت مقاتلات إسرائيلية من طراز أف-35 على منشآت إيرانية مدمرةً قدرات طهران النووية، ومستخدمة في ذلك قذائف نووية تكتيكية منخفضة القوة.

هدفت هذه المحاكاة الاستشرافية، والمقابلات التي تلتها، إلى فهم استجابة الجهات الفاعلة الرئيسية لهذا السيناريو: إيران وإسرائيل ومجلس التعاون الخليجي والصين والثلاثي الأوروبي (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) وروسيا والولايات المتحدة. وإذ بدا التهديد الفوري بحرب نووية شاملة منخفضًا في أعقاب السيناريو، بقي خطر التصعيد طويل المدى مرتفعًا.

حروب بالوكالة

إيرانيًا، يرجح معظم الخبراء المشاركين في هذه المحاكاة الاستشرافية أن تسعى طهران إلى تجنب حرب نووية واسعة النطاق مع تل أبيب، ويعتقدون أن النظام الإيراني سيرضى الدخول في مفاوضات نووية جديدة  في موازاة العمل الدؤوب على تشويه سمعة إسرائيل بالقول إنها تشكل التهديد الأكبر للسلام الدولي، كونها من بادر إلى استخدام أسلحة نووية. كانت الحجة الغالبية عند الخبراء المشاركين في الطاولة المستديرة، وأولئك الذي تمت مقابلتهم تقول إن إيران "لن ترضى بأن تظهر عالميًا بمظهر الضعيف، ولذلك ستطلق العنان لأذرعتها في المنطقة كي تقوم بحرب بالوكالة"، في دلالة على حزب الله اللبناني الأقرب جغرافيًا إلى إسرائيل، والأقوى تسليحًا، إلى جانب منظمات شيعية عراقية، تدور في الفلك الإيراني، وتتمتع بوجود مسلح على الأراضي السورية.

في المقابل، أربكت التجربة النووية الإيرانية قادة إسرائيل، ووضعتها في حال من الشك في صدقية المعلومات الاستخبارية التي يقدمها الموساد عن المستدات النووية في إيران للقيادة العسكرية في تل أبيب، وهذا ما حال دون عمل استباقي إسرائيلي. وبحسب المحاكاة الاستشرافية، أتت ردة الفعل الإسرائيلية بقصف منشآت إيرانية ضمن الفرضية التي قدمتها هذه المحاكاة، ولم تأتِ وفقًا لآراء الخبراء، وهذا ما وضع إسرائيل في موقف دفاعي، معززة أنظمتها الدفاعية الصاروخية، وساعيةً بقوة إلى التأثير في روسيا والصين لمنعهما من من التعاطف مع إيران.

موقف جادّ

في هذه الطاولة المستديرة، قدمت الولايات المتحدة مجموعة من الردود جيدة التصميم (بالنظر إلى خبرة اللاعبين الأميركيين وحسن تدريبهم على هذا السيناريو). أرسلت واشنطن رسائل عامة وخاصة بشأن المستجدات، ودعيت المؤسسات الدولية للمشاركة في النقاش في هذه المسألة. لكن، ما إن بدأت الأحداث، لم تؤد جهود الولايات المتحدة إلى دفع الآخرين إلى اتخاذ موقف جادّ. بعد الغارة الإسرائيلية، ردّ مسؤولون أميركيون التصعيد إلى انقطاع الاتصال بين الولايات المتحدة وإسرائيل. أصدرت الولايات المتحدة تهديدًا لإيران، وأوضحت عواقب التصعيد الإيراني، بموازاة تعزيز قنوات التواصل مع إسرائيل لصوغ رد مشترك على الهجمات الإيرانية، وسد الثغرات في المعلومات الاستخباراتية بشأن القدرات النووية الإيرانية.

شعرت القوى الأوروبية الرئيسية بخطورة الأمر، إلا أن أيًا منها لم يتخذ موقفًا ذات أهمية عسكرية أو دبلوماسية. على المدى القصير، لم تتخذ دول مجلس التعاون الخليجي موقفًا فاعلًا، لكن على المدى الطويل، كانوا أشد ميلًا إلى استكشاف برامج الانتشار العسكري الخاصة بهم، بمفردهم أو مع شركاء أجانب.

ربما كان الأمر الأشد إثارة للقلق هو الانزعاج الذي أبدتاه روسيا والصين من مجرى الحوادث في الشرق الأوسط. إلا أن الدافع الرئيسي لكل منهما كان تقويض مكانة الولايات المتحدة العالمية، بدلاً من المساعدة في حصر القوة النووية في عدد قليل من الدول. وبدا لكليهما أن إرهاق الولايات المتحدة وإضعافها وتقويض قوتها تمثل أولوية استراتيجية أهم من منع انتشار الأسلحة النووية.

أربع خلاصات

خرجت هذه الطاولة المستديرة، والمحاكاة الاستشرافية التي تضمنتها، بأربع خلاصات. أولًا، لن تقدم أي دولة غيرة الولايات المتحدة ضمانات أمنية لدول المنطقة. فحتى لو سعت واشنطن إلى مغادرة الشرق الأوسط، لن تجد اي دولة مستعدة للتدخل في المنطقة، أو حتى قادرة على هذا التدخل، سواء اتى تدخلها لتتمة الدور الأميركي أو الحلول محله. أما النتيجة المحتملة لهذا التحليل فهو اضطرار الولايات المتحدة للعودة إلى الخليج.

ثانيًا، التأثير الأكبر للولايات المتحدة في سيناريو الانتشار العسكري هو قدرتها على ضبط ردات الفعل الإسرائيلية. في هذا الإطار، يمكن القول إن هذه القدرة هي الأقوى حتى قبل أن تتكشف تفاصيل السيناريو، والعامل الوحيد الأهم في تحديد نفوذ الولايات المتحدة هو العلاقة الشخصية والثقة اللتان نشأتا بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يمكن العلاقات المؤسسية وتبادل المعلومات الاستخباراتية أن تدعما هذه العلاقة وتعززا هذه الثقة، إلا أنهما لا تستطيعان أن تحلا محل هذه العلاقة. في الوقت نفسه، استمرار الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل يمكن أن يجعلها أشد عدوانية، وربما أكثر تهورًا.

ثالثًا، تعتري سياسة الولايات المتحدة الحالية لمنع الانتشار العسكري أوجه قصور عدة، لكنها تؤدي إلى نتائج إيجابية، ولو كانت قليلة. رجّح معظم المشاركين في الطاولة المستديرة أن تقف إيران طويلًا عند العتبة النووية من دون أن تتجاوزها، وأن تتوخى إسرائيل الحذر الشديد من أن تؤدي ردة فعلها إلى تنفير الولايات المتحدة منها. وليس واضحًا إن كانت هذه الظروف ستدوم طويلًا، لكنها تلائم الولايات المتحدة على المدى المتوسط. 

رابعًا، إذا استخدمت روسيا سلاحًا نوويًا في أوكرانيا، فسيكون لردة الفعل العالمية تأثير عميق في بلورة القرار الإيراني بشأن الانتشار العسكري. كان ثمة اتفاق عالمي على أن من شأن استخدام موسكو سلاحًا نوويًا أن يغير الحسابات الإقليمية.

المطلوب بناء الثقة

إلى هنا، تنتهي المحاكاة الاستشرافية. فماذا بعدها؟ 

من يغوص في تفاصيل رؤية بايدن لاستقرار الشرق الأوسط، يجدها تحاول استيعاب تناقضات محتملة، مدارها خفض احتمالات اندلاع أي  صراع يهدد حلفاء واشنطن، ويؤثر في إمدادات الطاقة. وفي ضوء استمرار التناقضات، والدور الذي يريد الإسرائيليون أن يؤدوه في تدجين الطموح النووي الإيراني، ربما يؤول مصير أفكار بايدن لتأمين استقرار الشرق الأوسط إلى ما آلت إليه صفقة القرن. الأساس، بحسب خبراء تقاطعت آراءهم في شأن المسألة الشرق أوسطية، هو تمكن واشنطن من إعادة بناء الثقة مع دول الخليج.

لا بديل في المنطقة عن الفاعل الأميركي. لكن، أي فاعل هو؟ وهل يبقى الفعل مرهونًا بالعلاقة بين واشنطن وتل أبيب؟ ربما يكون هذا الكلام صحيحًا إن بقي التردد الأميركي في التعامل الاستباقي مع الخطر الإيراني على حاله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار