: آخر تحديث

حلف موضوعي: إيران وإسرائيل لا تريدان إحياء الاتّفاق النووي!

51
46
54
مواضيع ذات صلة

بات من الواضح، بعد صدور البيان الأوروبي الثلاثي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بشأن المفاوضات الدائرة حول البرنامج النووي الإيراني، والردود المتبادلة بين طهران وواشنطن على خطة الطريق التي قدمها منسق السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، واعتبرت بمثابة وثيقة نهائية على إيران أن ترد عليها بالمواقفة أو بالرفض، لا بمزيد من التفاوض، أن المفاوضات قد فشلت.
 
فالبيان الأوروبي الذي صدر يوم السبت  في 10 أيلول (سبتمبر) الجاري، شكل إقراراً صريحاً بأن المفاوضات فشلت، بعد تسلم الردود الإيرانية التي كانت أشبه بمحاولة لربط مصير المفاوضات بقفل موضوع التحقيقات التي تجريها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" حول المواقع المشبوهة الثلاثة غير المصرح عنها التي اكتشفها المفتشون، حين عثروا على آثار من اليورانيوم المخصب. طبعاً حاول الإيرانيون أيضاً توسيع التفاوض حول ضمانات يشترطونها من الأميركيين بشأن عدم خروجهم مرة جديدة من الاتفاق، كما حصل سنة 2018 عندما قرر الرئيس السابق دونالد ترامب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق من طرف واحد.
 
بمعنى آخر، توسع المفاوض الإيراني في اتجاه محاولة استدراج المفاوض الأوروبي والأميركي نحو ملفات يمكن اعتبارها سياسية نوعاً ما. في النتيجة أدرك الأوروبيون، ومعهم فريق الرئيس جو بايدن، أن إحياء الاتفاق وفق خطة طريق جوزيب بوريل فشل، وأن الإيرانيين من الناحية العملية يبدون وكأنهم يفاوضون للتفاوض. ظهر ذلك في اللهجة التي اعتمدها الإيرانيون في مقابل الأميركيين. الإيرانيون يكثرون من المواقف المعسولة التي تقول إن التفاوض مستمر، وإنهم لن يغادروا الطاولة. الأميركيون من ناحيتهم شديدو التشاؤم.
 
وجاء البيان الأوروبي ليحسم صورة الوضع، وليلقي شكوكاً كبيرة في مآل البرنامج النووي الإيراني، عندما أشار إلى "أن البرنامج بحالته الراهنة يفتقر إلى مبرر مدني" ( أي أنه عسكري الوجهة)، وليضيف بلهجة تضمنت شيئاً من التشدد المستجد بالقول: "نظراً إلى فشل طهران في إبرام الاتفاق، فإن الدول الثلاث ستتشاور مع شركائها حول أفضل طريقة للتعامل مع تصاعد التوترات والتهديدات النووية الإيرانية".
 
كان هذا يوم السبت الفائت. بعده بيومين صرح المستشار الألماني أولاف شولتس بأنه يستبعد التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران قريباً. في الوقت عينه كانت فيينا تشهد حركة على مستوى مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، حيث قال المدير العام للوكالة رافاييل غروسي خارج القاعة الاجتماع: "إن فجوة المعلومات لدينا اتسعت وأصبحت الظروف أكثر صعوبة". بمعنى أن الوكالة باتت "عمياء" بالنسبة إلى ما يجري داخل المنشآت النووية الإيرانية، وخصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن السلطات الإيرانية تعمد إلى رفع مستوى نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما يفوق 65 في المئة وربما أكثر وتكثف الإنتاج، وكأنها أصبحت في سباق مع الوقت لإنتاج القنبلة النووية، فيما تشغل انتباه العالم بمفاوضات شكلية في فيينا أو في غيرها.  
 
ما تقدم إن دل إلى شيء فإنه يدل إلى أن السلوك الإيراني لا يمكن تفسيره سوى بكسب الوقت، فيما الهدف الأساس هو صنع قنبلة نووية.
 
في برلين التي زارها رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في اليومين الماضيين، قد تكون المرة الأولى التي تقاطعت فيها وجهات النظر الأوروبية مع الإسرائيلية بشأن نيات إيران. حمل لابيد معه معلومات سرية عن البرنامج النووي الإيراني ليضعها بين أيدي المستشار الألماني. لكن المهم هو ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلاً عن مسوؤل رفيع رافق لابيد إلى برلين، قال: "إن معظم الأوروبيين والأميركيين يقولون إنه لن يكون هناك اتفاق نووي والمفاوضات الحالية ميتة". وختم: "لا مفاوضات مع إيران".
 
بالطبع يمكن فهم المزاج الإسرائيلي الذي يشن حملة على الاتفاق النووي ومحاولات إحيائه. والجهود الإسرائيلية معروفة في اتجاه الأميركيين والأوروبيين لإقناعهم بأن إحياء الاتفاق السيئ أصلاً هو خطوة سيئة للغاية، وبأن الحاجة أكثر ما تكون أقله إلى اتفاق أقوى وأبعد مدى، وبأنه في الانتظار لا بد من الحفاظ على العقوبات القوية ضد طهران. هذه وجهة نظر إسرائيلية مكررة. وهي كانت مصدر خلاف مع الأميركيين والأوروبيين على حد سواء. لكن يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن التي يضم الفريق العامل فيها على ملف إيران عدداً كبيراً من الخبراء والدبلوماسيين الذين عملوا ضمن الفريق نفسه أيام الرئيس الأسبق باراك أوباما، توصلاً إلى الاتفاق الأساسي لعام 2015، يبدو أن هذا الفريق لم يعد قادراً حتى بوجوهه المتحمسة للاتفاق مثل روبرت مالي، مسؤول الملف في البيت الأبيض وكبير المفاوضين في فيينا إلا أن يبدي تشاؤماً إزاء نيات الإيرانيين. من ناحية أخرى، فإن الحماسة الأوروبية خبت كثيراً، والعواصم المعنية صامتة بعد البيان الثلاثي المشار إليه.
خلاصة القول إن المفاوضات ميتة حالياً. ولكن ما يلفت المراقبين أن جولة المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أظهرت في نهاية المطاف حلفاً موضوعياً بين عدوين، إسرائيل وإيران، كلاهما يرفض الاتفاق لأهداف متباينة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد