مثلما الحرب(كرٌّ وفرٌّ) كذلك هي السياسة أيضاً، وهذا ما نشهده في حرب أوكرانيا حالياً.. ولنتوقف أولاً أمام خبر نشر بالأمس يقول: «أعلنت شركة (غاز بدوم) الروسية العملاقة للغاز أمس الأول أنها ستخفض شحنات الغاز عبر خط أنابيب (نورد ستريم) الى 33 مليون متر مكعب يومياً اعتباراً من غد.. وذكرت الشركة أنها ستعلق عمل توربين آخر بسبب مشكلة تقنية في المحرك».. وقالت «ستصبح القدرة الإنتاجية لمحطة الضغط بورتوفايا 33 مليون متر مكعب في يوليو أي نحو 20 بالمائة من إمكانيات خط أنابيب «نورد ستريم» مقابل 40 بالمائة حالياً).. وكانت روسيا قد خفضت مرتين كميات شحنات الغاز في يونيو الماضي، لأن خط أنابيب الغاز لا يمكنه العمل بشكل طبيعي من دون توربين كان يتم إصلاحه في كندا ولم يعد إلى روسيا بسبب العقوبات الغربية على موسكو.. ومذاك اتفقت ألمانيا وكندا على إرجاع التوربين إلى روسيا، لكن لم يُرسل إليها بعد.. واعتبرت (برلين) أن ذلك (حجة وقرار سياسي) للضغط على الغربيين في إطار النزاع في أوكرانيا»!
كلنا يعلم أن الدول الغربية والأوروبية والبريطانية بقيادة (واشنطن) اتخذت حزما من عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية كبيرة ضد (موسكو) على خلفية الحرب في أوكرانيا، من بينها تقليل اعتماد الدول الأوروبية على النفط والغاز الروسي، بل ومقاطعة مصادر الطاقة الروسية في العالم! ولذلك يصبح مستغرباً من حكومة (برلين) أن تعتبر قرار شركة (غاز بروم) الروسية بتخفيض شحنات الغاز إلى ألمانيا بنسبة 20 بالمائة بسبب صيانة في توربين المحرك، وهي التي عطلت مع كندا وأمريكا سابقاً إصلاح التوربين السابق الذي لم يصل إلى روسيا بعد.. ان تعتبر برلين ذلك (حجة وقرارا سياسيا)!
ماذا نسمي كل العقوبات الغربية الكبيرة ضد (موسكو) منذ 24 فبراير الماضي حتى الآن؟.. أليس ذلك (قرارا سياسيا) غربيا ضد روسيا؟! والمضحك في الأمر أن الغرب يتخذ عقوبات اقتصادية ضد روسيا وفي الوقت نفسه يشتكي ويلوم (موسكو) إذا خفضت شركة (غاز بدوم) لأعطال في التوربينات وصيانتها، شحنات الغاز الحالية الى الدول الأوروبية! كيف يلوم الغرب (موسكو) على خفض الشحنات من الغاز الروسي إلى أوروبا، وهو الذي اتخذ عقوبات اقتصادية متهورة ضد روسيا أدت إلى أوجاع وكوارث اقتصادية معيشية على المواطن الأوروبي قبل المواطن الروسي؟!
نعم الحرب (كرّ وفرّ) وكذلك السياسة أيضاً.. وهذا ما ينطبق أيضاً على توقيع اتفاقية نقل الحبوب والقمح الأوكراني عبر البحر الأسود إلى العالم، والتي وقعت مؤخراً في إسطنبول برعاية تركية وأممية، وكان من بين الشروط التي وافق عليها الطرف الأوكراني أن يتم تفتيش سفن شحن الحبوب الأوكرانية والروسية ايضاً عند خروجها ودخولها البحر الأسود، وكان في تفكير الغرب و«الناتو» هو استخدام ميناء (أوديسا) الأوكراني والموانئ الأخرى، في تصدير المزيد من الأسلحة الفتاكة الأمريكية والأوروبية والبريطانية إلى الجيش الأوكراني والكتائب النازية المتطرفة تحت حجة أنها موانئ لتصدير الحبوب إلى العالم!
لكن هذا المخطط الغربي في استخدام الحبوب كغطاء سياسي لتحييد الموانئ الأوكرانية في الحرب لم ينطلِ على (موسكو) التي لم تخرج ميناء (أوديسا) من بنك أهدافها العسكرية ضد الجيش الأوكراني والنازيين الجدد هناك، وحين احتجت وشجبت أمريكا وبريطانيا والأمم المتحدة وأكرانيا قصفت القوات الروسية ميناء (أوديسا) مؤخراً، رد وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) خلال مؤتمر صحفي في الكونجو قائلاً: «لا شيء في الالتزامات التي اتخذتها روسيا، ولا سيما في إطار الاتفاقية الموقعة في 22 يوليو في إسطنبول يمنعنا من مواصلة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، من خلال تدمير بنى تحتية عسكرية. وأشار إلى أن الصواريخ الروسية العالية الدقة استهدفت زورقاً عسكرياً أوكرانيا، وصواريخ مضادة للسفن من طراز (هاربون) الأمريكية، سُلمت مؤخراً الى مستودع ذخائر في القسم العسكري من ميناء (أوديسا) على مسافة كبيرة من رصيف الحبوب.. الآن لم تعد صواريخ هاربون الأمريكية تشكل خطراً علينا».
وهكذا سقط قناع الغرب في استخدام اتفاقية الحبوب والقمح والذرة وعباد الشمس من أوكرانيا في تحييد الموانئ من الأهداف العسكرية الروسية، وفطنت موسكو جيداً للمخطط الغربي في ذلك.
ويمكن القول بأن (واشنطن) ومعها (لندن) ورطتا أوروبا في عقوبات اقتصادية ضد روسيا، والآن الشعوب الأوروبية والبريطانية والأمريكية، وشعوب أخرى في العالم هي التي تدفع ثمن استمرار تلك العقوبات من خلال زيادة أسعار المواد الغذائية والحبوب وزيوت الطبخ، وزيادة أسعار البنزين ومصادر الطاقة والغاز، وصار شبح التضخم العالمي يقترب أكثر وأكثر من الاقتصادات المعيشية للسكان في العالم.
السياسة والحرب والاقتصادية والتكنولوجيا والأقمار الصناعية في الفضاء والحروب السيبرانية.. كلها صارت في حالة (كرّ وفرّ) بين روسيا والغرب.. ومن المؤسف حقاً ألا تعترف الدول الأوروبية، سواء كانت فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا بأنها وقعت وسط خديعة أمريكية.. وبريطانية لإضعافها اقتصادياً وسياسياً في حرب أوكرانيا تحت حجة معاقبة روسيا!!