: آخر تحديث

هل تتخلى إيران عن أذرعها المسلحة مقابل عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية؟

42
38
46
مواضيع ذات صلة

هناك‭ ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها‭ ‬بين‭ ‬تصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬السياسي‭ ‬والتصعيد‭ ‬الذي‭ ‬تنتهجه‭ ‬إيران‭ ‬ضد‭ ‬أميركا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبين‭ ‬تصاعد‭ ‬النشاط‭ ‬والتصعيد‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬وأذرعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظنا‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬أثناء‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬للسعودية‭ ‬ومشاركته‭ ‬في‭ (‬قمة‭ ‬جدة‭) ‬بحضور‭ ‬طاقم‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭. ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬يوجه‭ ‬التحذيرات‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬بأمن‭ ‬المنطقة‭ ‬ويهددها‭ ‬بالرد‭ ‬القاسي،‭ ‬مندداً‭ ‬بمساعيها‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬النووي،‭ ‬وبأن‭ ‬أميركا‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬لإيران‭ ‬بامتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬نووي‭.. ‬ردت‭ ‬إيران‭ ‬بغضب‭ ‬على‭ ‬تصريحات‭ ‬بايدن‭ ‬واتهمته‭ ‬بافتعال‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وجيرانها‭ ‬الخليجيين‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬إيران‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬أوعزت‭ ‬إلى‭ ‬ذراعها‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ (‬الحوثيين‭) ‬للتصعيد‭ ‬العسكري،‭ ‬وقاموا‭ ‬بخرق‭ ‬الهدنة‭ ‬التي‭ ‬أبرمتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭ ‬هناك،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬ترد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬أميركا‭ ‬لزيارة‭ ‬بايدن‭ ‬للمنطقة،‭ ‬ولكن‭ ‬تُحرك‭ ‬الحوثيين‭ ‬لإفشال‭ ‬الهدنة‭ ‬التي‭ ‬تؤيدها‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭!‬

لكن‭ ‬إيران‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬تحسن‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬أميركا‭ ‬مرهون‭ ‬أيضا‭ ‬بتحسن‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬الخليجيين،‭ ‬وتحديداً‭ ‬مع‭ ‬السعودية،‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬سعت‭ ‬طهران‭ ‬بوساطة‭ ‬عراقية‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ (‬أمنية‭) ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬جولات‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬وأقيمت‭ ‬الجولة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬وحضرها‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬أمانة‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬الإيراني،‭ ‬ورئاسة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬السعودية،‭ ‬ومؤخراً‭ ‬تبلغت‭ ‬إيران‭ ‬موافقة‭ ‬السعودية‭ ‬على‭ ‬انتقال‭ ‬الحوار‭ ‬الهادف‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬الأمني‭ ‬إلى‭ (‬السياسي‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬تسعى‭ (‬الإمارات‭) ‬لتعيين‭ ‬سفير‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬وتسعى‭ (‬الكويت‭) ‬لتعيين‭ ‬سفير‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬أيضاً‭.‬

إذن‭ ‬إيران‭ ‬تتحرك‭ ‬لإعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬وبقية‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وتعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬مكسباً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬أميركا‭.. ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬إيجابياً‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬امتلاكها‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬وعلى‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬أذرعها‭ ‬العميلة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كالحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬مثلاً؟

فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬قال‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية‭ (‬رفائيل‭ ‬جروسي‭) ‬لصحيفة‭ (‬الباييس‭) ‬الإسبانية‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭: ‬‮«‬إن‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي‭ ‬يتقدم‭ ‬بسرعة،‭ ‬وإن‭ ‬رصد‭ ‬الوكالة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬هناك‭ ‬محدود‭ ‬للغاية‭.. ‬والخلاصة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أسابيع‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬رؤية‭ ‬محدودة‭ ‬للغاية‭ ‬مع‭ ‬برنامج‭ ‬نووي‭ ‬يتقدم‭ ‬بسرعة،‭ ‬لذلك‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬فسيكون‭ ‬صعباً‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬بناء‭ ‬الأحجية‭ ‬بوجود‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العمى‭ ‬الإجباري‮»‬‭.. ‬وكان‭ (‬جروسي‭) ‬يشير‭ ‬تحديداً‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي‭ ‬كل‭ ‬معدات‭ ‬المراقبة‭ ‬وكاميرات‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬الذرية،‭ ‬والتي‭ ‬وضعت‭ ‬بموجب‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬2015‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬سابقاً‭.‬

وقال‭ (‬جروسي‭): ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬هذه‭ ‬الأحجية‭ ‬بالأجزاء‭ ‬المفقودة‭ ‬والناقصة‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬المراقبة‭ ‬من‭ ‬الوكالة‭ ‬ليس‭ ‬مستحيلا‭.. ‬لكنه‭ ‬سيتطلب‭ ‬مهمة‭ ‬بالغة‭ ‬التعقيد‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬تنفي‭ ‬نيتها‭ ‬امتلاك‭ (‬سلاح‭ ‬نووي‭)‬،‭ ‬وأنها‭ ‬تستخدم‭ ‬أنشطتها‭ ‬النووية‭ ‬للأغراض‭ ‬السلمية،‭ ‬فإن‭ ‬سلوك‭ ‬إيران‭ ‬المزعزع‭ ‬للأمن‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يفقدها‭ ‬المصداقية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات،‭ ‬وتقوم‭ ‬طهران‭ ‬بتصعيد‭ ‬لأنشطة‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬أكثر‭ ‬باستعمال‭ ‬معدات‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬منشأة‭ (‬فوردو‭) ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ (‬وتحذر‭ ‬قوى‭ ‬غربية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬الإسراع‭ ‬صوب‭ ‬صنع‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭)‬،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬بالأمس‭.‬

إذن‭ ‬إيران‭ ‬تريد‭ ‬الخروج‭ ‬بصفقة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬حول‭ ‬ملفها‭ ‬النووي‭ ‬تمكنها‭ ‬مستقبلاً‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬نووي،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬أميركا‭ ‬والغرب‭.. ‬ولذلك‭ ‬تسعى‭ ‬إيران‭ ‬حالياً‭ ‬للتقرب‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬لإعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المقطوعة‭ ‬منذ‭ ‬يناير‭ ‬2016‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرضت‭ ‬السفارة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬وقنصليتها‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬لاعتداءات‭ ‬من‭ ‬مليشيات‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬والباسيج‭ ‬آنذاك‭.‬

من‭ ‬جهتها‭ ‬أبدت‭ ‬السعودية‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬لكن‭ ‬بشروط‭ (‬أمنية‭) ‬وسياسية‭.. ‬بتعبير‭ ‬آخر‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬طهران‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬تسميه‭ (‬بعمل‭ ‬الميدان‭) ‬الذي‭ ‬اخترعه‭ ‬زعيم‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬السابق‭ (‬قاسم‭ ‬سليماني‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬للمليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬وأذرع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬بتحديد‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬وحكومات‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭!!‬

ولذلك‭ ‬يرتفع‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭: ‬هل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عودة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والسعودية‭ ‬وبقية‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬سوف‭ ‬تكف‭ (‬إيران‭) ‬عن‭ ‬العبث‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬دول‭ ‬المنطقة؟‭ ‬هل‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬سيوقف‭ ‬دعمه‭ ‬العسكري‭ ‬وتسليحه‭ ‬للمليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬الموالية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن؟‭.. ‬ويوقف‭ ‬صناعة‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬والبحرين‭ ‬والكويت‭ ‬والإمارات؟

هذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬توضحه‭ ‬إيران‭ ‬للوفد‭ ‬السعودي‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬القادمة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ (‬المستوى‭ ‬الأمني‭) ‬إلى‭ (‬المستوى‭ ‬السياسي‭).. ‬لأن‭ ‬الجانب‭ ‬الأمني‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬القادمة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وجيرانها‭ ‬الخليجيين‭.. ‬وهل‭ ‬تريد‭ (‬طهران‭) ‬علاقة‭ ‬غامضة‭ ‬تتلاعب‭ ‬فيها‭ ‬بأمن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتعبث‭ ‬باستقرارها‭ ‬أم‭ ‬تريد‭ ‬حقاً‭ ‬علاقات‭ ‬طبيعية‭ ‬تعود‭ ‬بالازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمعيشي‭ ‬والرفاهية‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.