بوتشا (أوكرانيا): يلقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء أمام مجلس الأمن الدولي كلمة عبر الفيديو غداة زيارته بوتشا، البلدة الواقعة قرب كييف والتي عُثر فيها على عشرات الجثث بعد انسحاب القوات الروسية منها.
وأعلنت المملكة المتحدة التي تترأس حالياً مجلس الأمن أن زيلينسكي الذي اتهم روسيا بارتكاب "جرائم حرب" و"إبادة جماعية" بعد اكتشاف عشرات الجثث بملابس مدنية بعضها على الطرقات والبعض الآخر في مقابر جماعية في بوتشا وبلدات أخرى في محيط العاصمة الأوكرانية، سيقوم بمداخلة أمام الهيئة الدولية للمرة الأولى منذ بدء الغزو الروسي لبلاده في 24 شباط/فبراير.
وأكد زيلينسكي في فيديو نشر ليل الإثنين الثلاثاء أنه سيتوجه إلى المجلس من غير أن يُعرف ما إذا كان سيلقي كلمة مسجّلة مسبقاً أو ستكون مباشرة على الهواء.
وقال في الفيديو "سيأتي وقت يعرف فيه كلّ روسي الحقيقة كاملة حول أي من مواطنيه قام بالقتل ومن أعطى الأوامر" داعياً إلى تشديد العقوبات على موسكو وتسليم بلاده المزيد من الأسلحة.
وزار زيلينسكي في وقت سابق الإثنين بوتشا الواقعة على مسافة ثلاثين كلم إلى شمال غرب كييف وقال متوجهاً إلى الصحافيين في شارع من وسط المدينة تنتشر فيه هياكل آليات لنقل الجند ومدرعات روسية مدمرة وسط منازل مهدمة "أنتم هنا ويمكنكم رؤية ما جرى. نعرف أن آلاف الأشخاص قتلوا وتعرضوا للتعذيب، تم تمزيق أطرافهم، أن نساء تعرضن للاغتصاب وأطفالاً قتلوا".
وقال إن 300 شخص "تعرضوا للقتل والتعذيب في بوتشا وحدها".
ونفت روسيا الإثنين أي مسؤولية مؤكدة أنها ستقدم "وثائق" تظهر بحسبها "الطبيعة الحقيقية" لما حصل في بوتشا.
وأثارت مشاهد بوتشا موجة تنديد شديد بين حلفاء أوكرانيا الغربيين الذين توعدوا بفرض عقوبات جديدة "هذا الأسبوع" على روسيا لارتكابها "جرائم حرب".
ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن الإثنين إلى "محاكمة في جرائم حرب" بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤكداً "يجب أن يحاسب".
الغاز والنفط
من جانبه أوضح مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان أن المحادثات تدور بصورة خاصة حول تدابير محتملة "على ارتباط بالطاقة"، وهو موضوع بالغ الحساسية بالنسبة للأوروبيين الذين يعتمدون بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي.
وأعلن وزير المال الألماني كريستيان ليندنر الإثنين أنه لا يمكن لبلاده الاستغناء عن واردات الغاز الروسي "في المدى القريب".
وقامت الولايات المتحدة بعيد بدء غزو أوكرانيا بحظر استيراد الغاز والنفط الروسيين، من غير أن ينضم الاتحاد الأوروبي إلى هذا القرار إذ شكلت الإمدادات الروسية حوالى 40% من حاجاته عام 2021.
عقوبات دبلوماسية
من جانبهم رد الأوروبيون الإثنين بعمليات طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس، وخصوصاً ألمانيا التي قررت طرد "عدد كبير" منهم فيما ذكرت معلومات وردت وكالة فرانس برس طرد أربعين دبلوماسيا.
ونددت موسكو بخطوة "غير ودية" محذرة بأن عمليات الطرد ستتسبب بـ"مزيد من التدهور" في العلاقات مع روسيا.
فرنسا من جهتها ستطرد 35 دبلوماسياً روسياً "تتعارض نشاطاتهم مع مصالحها" كما أفاد الاثنين مصدر في وزارة الخارجية.
كما أعلنت ليتوانيا طرد السفير الروسي في فيلنيوس "رداً على عدوان روسيا العسكري على أوكرانيا الدولة ذات السيادة، وعلى الفظاعات التي ارتكبتها القوات المسلحة الروسية".
وأفادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بعد مكالمة هاتفية مع زيلينسكي عن تشكيل فريق "مشترك مع أوكرانيا ... للتحقيق حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية" المرتكبة مؤكدة "يجب ألا يفلت مرتكبو هذه الجرائم الفظيعة من العقاب".
ويعتزم الاتحاد الأوروبي ضم جهوده إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تحقق منذ 3 آذار/مارس في المزاعم حول وقوع جرائم حرب في أوكرانيا.
"هجوم ضخم"
وبعد انسحاب القوات الروسية من محيط كييف، تستعد أوكرانيا الآن لـ"هجوم ضخم" في منطقة لوغانسك في شرق البلاد، على ما أعلن حاكم المنطقة سيرغي غاداي الإثنين.
وقال غاداي في رسالة عبر الفيديو "نرى معدّات تصل من اتجاهات مختلفة. نرى الروس يعزّزون صفوفهم ويتزوّدون الوقود (...) نحن ندرك أنّهم يستعدّون لهجوم ضخم".
ومع ترقب الهجوم الروسي تفرغ منطقة دونباس التي تسيطر عليها أوكرانيا من سكانها إذ غادر مئات النساء والأطفال والمسنين بالقطارات من كراماتورسك كبرى مدن المنطقة.
وذكر مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية الإثنين أن ثلثي القوات الروسية التي كانت تحتل محيط كييف عند بدء الغزو انكفأت إلى بيلاروس، مرجحاً أن تكون هذه عملية إعادة انتشار تسبق هجوماً جديداً في موقع آخر من أوكرانيا.
ورأى البيت الأبيض أن هذه المرحلة الجديدة من الحرب في أوكرانيا "قد تستمر أشهراً أو أكثر".
وقال ساليفان الإثنين إن روسيا "تقوم بإعادة تموضع لقواتها بهدف تركيز هجومها على شرق أوكرانيا ومناطق في جنوبها" معتبراً أن "روسيا حاولت إخضاع أوكرانيا بكاملها وفشلت، الآن ستحاول السيطرة على أجزاء معينة من البلاد".
ودعا رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو الإثنين سكان العاصمة الأوكرانية الذين فروا من الصراع في المدينة إلى عدم العودة "قبل أسبوع آخر على الأقل" محذراً من أن روسيا قد تقوم بعمليات قصف جديدة.
ودوت صفارات الإنذار ليل الإثنين الثلاثاء في خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، فيما ندد حاكم منطقة ميكولاييف (جنوب) فيتالي كيم مساء الإثنين بقصف استهدف مستشفى في المدينة التي تشكل آخر حاجز على الطريق إلى أوديسا حيث أكبر مرفأ في أوكرانيا.
وقتل عشرة مدنيين وأصيب 46 على الأقل بجروح في القصف على ميكولاييف، وفق ما أعلن رئيس بلدية المدينة أولكسندر سينكيفيتش في وقت سابق الإثنين.
ماريوبول
في سياق آخر، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإثنين أن فريقاً تابعاً لها كان يساعد في إجلاء المدنيين من مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة في جنوب أوكرانيا "احتُجز" لدى "الشرطة" في منطقة محاذية تسيطر عليها القوات الروسية.
وأفاد رئيس بلدية المدينة الساحلية فاديم بويتشنكو أن حوالى 130 ألف شخص ما زالوا في ماريوبول في وضع إنساني كارثي، مضيفا أن المدينة التي كانت تعد حوالى نصف مليون نسمة قبل الحرب، باتت مدمرة "بنسبة 90%" فيما "40%" من بناها التحتية غير قابلة للإصلاح.
وفر أكثر من 4,2 ملايين أوكراني من بلادهم منذ بدء الاجتياح الروسي، بحسب أرقام نشرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الإثنين.