باريس: بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاثة أسابيع، في ما يأتي السيناريوهات المحتملة لما قد يحدث لاحقا وفق تقديرات مصادر حكومية وعسكرية غربية وخبراء من مراكز أبحاث.
لا تزال القوات الأوكرانية تقاوم القوات الروسية، وتكبدها خسائر فادحة في العتاد والعديد.
صدّ الأوكرانيون بشكل حاسم محاولة من قوات المظليين للاستيلاء على العاصمة في أيام الحرب الأولى، قبل أن يتراجعوا مذاك إلى مواقع دفاعية مكنتهم من إبقاء سيطرتهم على جميع المدن الاستراتيجية.
ورغم ادعاء روسيا منذ فترة طويلة أن لديها تفوقا جويا، يبدو أن الدفاعات الجوية الأوكرانية لا تزال تعمل، بينما تواصل الدول الغربية تزويدها صواريخ محمولة مضادة للدبابات وللطائرات.
وجاء في تقرير لوزارة الدفاع البريطانية الخميس أن "الغزو الروسي تعثّر إلى حد كبير على كل الجبهات".
مساعدات عسكرية أميركية
تقدر الاستخبارات الأميركية أن 7000 عسكري روسي لقوا حتفهم، حسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، رغم أن الخبراء يؤكدون على ضرورة التعامل مع هذه الأرقام بحذر.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء عن حزمة جديدة ضخمة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، تشمل أنظمة دفاع جوي صاروخي من طراز اس-300، و100 طائرة مسيّرة "انتحارية" من طراز سويتش بلايد وآلاف الصواريخ الأخرى.
لكن المقاومة العسكرية الأوكرانية لها تكلفة مدنية عالية، فقد قتل الآلاف ودمرت مدن مثل ماريوبول وخيرسون.
بدأ المفاوضون من الجانبين الحديث بعد أيام فقط من بدء الحرب، أولا عند الحدود بين بيلاروس وأوكرانيا ثم في تركيا وأخيرا في العاصمة كييف.
قد تدفع الخسائر المتزايدة في ساحة المعركة والعقوبات الغربية الخانقة للاقتصاد الروسي الرئيس فلاديمير بوتين للبحث عن وسيلة لإنهاء النزاع تحفظ ماء وجهه.
كتب خبير الحروب في جامعة أكسفورد روب جونسون هذا الأسبوع أن "أوكرانيا قد تكون قادرة على إجبار روسيا على اتخاذ خيار: الاستمرار وتكبد خسائر لا يمكن تعويضها، أو التوقف وإبرام اتفاق سلام يحقق بعض أهدافها".
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأربعاء إن الجانبين "على وشك الاتفاق" على صفقة تقبل بموجبها أوكرانيا بأن تكون دولة محايدة على غرار السويد والنمسا.
وقد أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي علنا بأن بلاده لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي العسكري الغربي - وهذا مطلب رئيسي للكرملين.
لكن رغم أن فرص التوصل إلى اتفاق تعززت بشكل كبير في الأيام الأخيرة، لا يوجد ما يشير إلى التوصل لوقف لإطلاق النار، إذ تريد أوكرانيا انسحابا روسيا كاملا وضمانات أمنية بشأن المستقبل.
ويرى بعض منتقدي بوتين أنه يستعمل الدبلوماسية ستارا لمواصلة الحرب.
يعمل بوتين على تشديد قبضته على المجتمع الروسي.
هيمنة الإعلام الحكومي
عززت الحملة ضد وسائل الإعلام المستقلة والأجنبية من هيمنة الإعلام الحكومي الروسي شديد الولاء للسلطة.
أوقف آلاف المتظاهرين المناهضين للحرب، وأقر قانون جديد ينص على عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما لكل من ينشر "أخبارا زائفة" عن الجيش.
لكن هناك مؤشرات على حدوث تصدعات في النخبة الحاكمة، إذ دعا بعض الأوليغارش والنواب وحتى مجموعة النفط الخاصة "لوك أويل" علنا إلى وقف إطلاق النار أو إنهاء القتال.
ورفعت صحافية روسية لافتة كتب عليها "لا للحرب" خلال بث نشرة الأخبار في وقت الذروة على التلفزيون الحكومي هذا الأسبوع.
لا يمكن استبعاد احتمال سقوط بوتين في احتجاج شعبي عنيف أو حتى انقلاب من داخل السلطة، لكن ذلك لا يبدو مرجحا في هذه المرحلة.
وقال الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إليوت كوهين إن "أمنه الشخصي جيد للغاية وسيظل جيدا حتى اللحظة التي يتغير فيها الأمر".
وأضاف "لقد حدث ذلك مرات عدة في التاريخ السوفياتي والروسي".
بالنظر إلى الأسلحة المتفوقة للقوات الروسية، والقوة الجوية والاستخدام العشوائي للمدفعية، يرى محللو دفاع غربيون أنها قادرة على مواصلة التقدم.
تجديد التكتيك
حذّر مسؤول عسكري أوروبي كبير الأربعاء من الاستخفاف بقدرة القوات الروسية على تجديد تكتيكاتها وتكيّفها.
وقال المسؤول إن لديها على ما يبدو مشاكل لوجستية ومعنوية، مع نقص في الوقود وحتى في زيوت المحركات.
وأضاف "لكن علينا ألا نتجاهل أن كل ذلك لا يغير تفوق الجيش الروسي".
تجنّد موسكو علانية مرتزقة من سوريا لدعم قواتها، وتستخدم أيضا مجموعة "فاغنر" العسكرية الخاصة التي يحيط بها كثير من الغموض.
لكن حتى لو سيطر الروس على مدن استراتيجية مثل كييف أو أوديسا الساحلية جنوب البلاد، فسيواجه بوتين بعد ذلك تحديا في الاستمرار في احتلالها.
أوكرانيا لها حدود مع أربع دول سوفياتية سابقة أصبحت الآن أعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يُعتبر الهجوم على عضو واحد فيه هجوما ضد كل الأعضاء.
حنين بوتين إلى الاتحاد السوفياتي وتعهده حماية الأقليات الناطقة بالروسية - الموجودة أيضا في دول البلطيق - يطرح سؤالا مفتوحا حول طموحاته الإقليمية.
قلة هم الذين يتوقعون أن يهاجم بوتين مباشرة دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي ينطوي على خطر حصول هجوم نووي، لكن محللين حذروا من حدوث استفزازات روسية لا تصل إلى حد إشعال فتيل حرب.
أمر بوتين بوضع الردع النووي الروسي في حال تأهب قصوى، كما حذر وزير الخارجية لافروف من أن "الحرب العالمية الثالثة لا يمكن إلا أن تكون حربا نووية".
ويقول محللون غربيون إن مثل هذه التحذيرات يجب أن تعتبر بمثابة موقف لردع الولايات المتحدة وأوروبا عن التفكير في مقترحات مثل فرض "منطقة حظر طيران" فوق أوكرانيا.