قبل أسبوعين من غزو روسيا لأوكرانيا، غادر يخت فاخر ميناء هامبورغ في شمالي ألمانيا، وتوجه إلى مدينة كالينينغراد، الجيب الروسي في قلب أوروبا على ساحل بحر البلطيق.
وهذا اليخت ليس إلا "غريسفول" الذي درجت وسائل الإعلام، وبشكل متكرر على الإشارة إليه باسم "يخت بوتين".
وقد تمكنت بي بي سي من إيجاد روابط بالفعل بين هذا اليخت وشركات على علاقة بعقار فاخر يقع في جنوبي روسيا، ويعرف باسم "قصر بوتين".
في السابع من فبراير/ شباط، بعد مغادرة "غريسفول" ميناء هامبورغ، قالت صحيفة "بيلد" الألمانية إن اليخت قد نُقل في هذا الوقت بهدف تجنب الاستيلاء عليه في حالة قيام روسيا بغزو أوكرانيا.
في ذلك الوقت، كانت الحكومة الأوكرانية تقلل من فرص حدوث غزو روسي واسع النطاق، في حين كانت التصريحات الروسية تنفي تماما نية الغزو.
بناء اليخت "غريسفول"
بدأت عملية بناء "غريسفول"، الذي يبلغ طوله 82 متراً، في شمالي روسيا، في مصنع سيفماش لبناء السفن، والواقع بالقرب من مدينة أرخانجيلسك، واكتملت أعمال بنائه لاحقا في ألمانيا.
ويقال إن اليخت يحتوي على حوض سباحة، ومهبط للطائرات المروحية، وطابقين من الشقق، وغرف نوم وقسم لغرف الجلوس. وتقدر قيمته بـ 100 مليون دولار.
بني اليخت بتكليف من شركة في جزر البهاما. وبدأ تشغيله، بعد إطلاقه من قبل شركة قبرصية تابعة لأكبر شركة شحن روسية، وهي شركة سوفكوم فلوت، التي تملك الدولة معظمها.
ما الذي نعرفه عن اليخت؟
عندما سأل صحفيون متحدثا باسم الشركة التي بنت اليخت عن هوية الشخصية أو الجهة التي بني لأجلها، قال "كان يسعدني أن أخبركم بهذا. لكن شركتنا تعاملت مع ممثل العميل فقط، ولا نعلم من هو هذا العميل".
واستندت وسائل الإعلام الروسية والغربية في تكهناتها بأن اليخت ربما يكون قد تم التكليف ببنائه من أجل الرئيس الروسي إلى السببين التاليين:
- لأنه مرتبط بشركة بناء سفن تابعة للدولة.
- لأن تحركات اليخت مطابقة لتحركات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن التحركات وحدها لم تكن دليلا كافيا لإثبات الصلة.
في خريف عام 2021 وصل "غريسفول" إلى حوض بناء السفن بلوم آند فوس في هامبورغ من أجل إجراء أعمال صيانة وتجديد. وقال مصدر في حوض بناء السفن لبي بي سي إن اليخت غادر في أوائل فبراير/شباط قبل استكمال الأعمال، التي كان من المفترض أن تنتهي في مايو/أيار.
وبعدها بعدة أيام، وصل اليخت الفاخر إلى كالينينغراد، حيث لا يزال راسيا منذ ذلك الحين.
ما هي الشركة التي سجل اليخت باسمها؟
اكتشفت بي بي سي أن اليخت مملوك لشركة مساهمة تسمى آرغيومنت.
وهناك ثلاث شركات في روسيا مسجلة بهذا الاسم. اثنتان منها غير عاملتين، لكن الثالثة مرتبطة مباشرة بعقار ضخم وفاخر في جنوبي روسيا، غير بعيد عن بلدة غليندزيك. وهذا العقار أصبح معروفا على نطاق واسع باسم "قصر بوتين".
أليكسي نافالني
في يناير/كانون الثاني عام 2021، أطلق السياسي الروسي المعارض أليكسي نافالني وفريقه شريط فيديو يتضمن تحقيقا حول ملكية بوتين لهذا العقار الفاخر.
وقد حصل الشريط على أكثر من 120 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.
ووفقا لهذا التحقيق، فإن مجموعة من أصدقاء فلاديمير بوتين المتنفذين، بنوا له قصرا بقيمة مليار دولار.
وبحسب ما قاله نافالني الذي اعتقل لاحقا، إن تلك "كانت أكبر رشوة في التاريخ".
وقد نفى الرئيس الروسي صحة تلك المزاعم، وقال إن القصر لم يكن ملكه يوما أو ملكا لأقاربه.
أركادي روتنبرغ
ولاحقا ظهر أركادي روتنبرغ، الملياردير صديق الرئيس الروسي أمام الكاميرا، قائلاً إن العقار يخصه.
في مايو/أيار عام 2021 ، تلقت بي بي سي وثائق أكدت صحة العديد من النتائج التي توصل إليها نافالني.
وقد صدرت العقود وشهادات الملكية من قبل شركة موسكو، التي استأجرت للعمل على بناء القصر إلى جانب العديد من المواقع الأخرى.
واحتوت الوثائق من بين أمور أخرى، على تواقيع بعض أصدقاء بوتين وشركائه القدامى.
وأحدهم على الأقل مدرج ضمن قائمة العقوبات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي مؤخرا.
عقد إيجار شركة آرغيومنت
لا تزال شركة أرغيومنت تستأجر من الدولة الروسية قطعة أرض مساحتها 16 هكتارا تمتد بين القصر وكرم كبير للعنب.
وقد سبق لاثنين من الشركاء المؤسسين لهذه الشركة، وهما أوليغ كوزنتسوف وألكسندر كولباكوف، أن عملا في خدمة الحرس الفيدرالي، وهي وكالة حكومية مكلفة بحراسة كبار المسؤولين.
ويشغل كولباكوف حاليا منصب رئيس المديرية الإدارية للرئيس الروسي، وهي هيئة حكومية تعنى بتلبية الاحتياجات اليومية لفلاديمير بوتين.
ولم ترد الشركة على طلب بي بي سي التعليق على الموضوع.
ويقول نائب مدير منظمة الشفافية الدولية في روسيا، إيليا شومانوف، إنه إذا كانت الشركة المالكة لهذا اليخت مرتبطة فعلا بالأشخاص الذين لديهم علاقة بالقصر، فمن المحتمل جدا أن يكون تغيير موقع اليخت الفاخر قد تم لتجنب التعرض للعقوبات.
ويضيف "من المحتمل أن يكون مالكو اليخت إما قريبين من الرئيس أو ممن شاركوا باتخاذ القرار بشأن هذه العملية العسكرية. وهم مجموعة صغيرة جدا من الأشخاص".