الرباط: قال رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، إن محاربة الفقر والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين يرتبطان أساسا بإحداث فرص شغل للسكان، مؤكدا أن مسألة التشغيل أصبحت من بين "الإشكاليات التي تؤرق مختلف الحكومات في العالم".
وأضاف العثماني في جلسة الأسئلة الشهرية بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، اليوم الأربعاء، أن حكومته تولي لموضوع التشغيل أهمية خاصة في برنامجها ضمن محور "تطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة"، موضحا أن مقاربتها للموضوع ترتكز على "توفير الظروف الملائمة لرفع نسبة النمو بما يمكن من خلق فرص الشغل الكافية لاستيعاب طالبي الشغل، مع تبني سياسة عمومية في مجال التشغيل".
وسجل رئيس الحكومة أن مسألة التشغيل "تطرح ببلادنا إشكاليات مختلفة تتعلق من جهة بالعرض ومن جهة أخرى بالطلب"، مبرزا أنه على مستوى العرض "تبقى إشكالية الحد من البطالة مرتبطة أساسا بتحقيق نسب نمو تسمح بخلق مناصب شغل كافية لاستيعاب الوافدين الجدد على سوق الشغل، مع الحفاظ على مناصب الشغل التي سبق إحداثها".
ونوه العثماني بالجهود التي بذلتها المملكة في السنوات الأخيرة، من خلال "تحسين مناخ الأعمال، وتقوية الاستراتيجيات القطاعية ومصاحبة الاستثمارات المنتجة لمناصب الشغل، والرفع من وتيرة الاستثمار العمومي رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة"، وزاد مبينا أن هذه الدينامية مكنت من "إحداث ما يقارب 90 ألف منصب شغل صاف في المتوسط السنوي خلال العشرية الأخيرة"، واستدرك قائلا: "رغم ذلك، فإن نسبة النمو ببلادنا لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكن من إحداث الطفرة النوعية التي نتطلع إليها على مستوى تقليص البطالة، لاسيما لدى الشباب".
واعتبر العثماني أن عدم انتظام نسبة النمو الاقتصادي التي ترتبط بتقلبات القطاع الفلاحي، بالإضافة إلى التحول الهيكلي وعصرنة منظومة الإنتاج التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الأخيرة "لا يساهمان في حل الإشكالية".
وأفاد ررئيس الحكومة بأنه على مستوى الطلب "يطرح إشكال تناسب مؤهلات طالبي الشغل مع الحاجيات الحقيقية للمقاولة، وضعف حكامة سوق الشغل، خاصة ما يتعلق بالوساطة"، مشددا على أن الحكومة ستعمل على "تفعيل استراتيجية التشغيل في أفق 2025 بعد تدقيقها وتحيين بعض مضامينها"؛ كما اعتبر أن سوق الشغل "أصبح أكثر تعقيدا وتجددا".
وأوضح العثماني أن الحكومة تراهن على مراجعة مدونة الشغل لملاءمة مقتضياتها مع معايير العمل الدولية، وتطوير تشريع الشغل لضمان العمل اللائق لكل الفئات، وضمان تنافسية المقاولة الوطنية وتيسير ولوج الفئات الهشة لعالم الشغل؛ بالإضافة إلى إقرار القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب وإعداد القانون المتعلق بالنقابات المهنية، حيث دعا المستشارين إلى الإسراع في التصويت عليه.
واستعرض رئيس الحكومة جملة من الإجراءات والبرامج التي تسعى الحكومة لاعتمادها، وتهم مجموعة من المجالات التي أطلقتها الحكومات السابقة من أجل دعم القدرة الشرائية للمواطنين ومحاربة الهشاشة والفقر، بهدف تعزيز برامج الحماية الاجتماعية، مؤكدا أن الحكومة ستعمل على "دراستها وتقييمها وتطويرها".
من جهته، قال عزيز بنعزوز، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، إن "الفتنة النائمة التي استيقظت في الحسيمة موجودة في جميع المناطق والأقاليم بالمغرب"، مؤكدا أن الحكومات المتعاقبة بالبلاد فشلت في ملف التشغيل.
وشكك بنعزوز في الأرقام التي تعلنها الحكومة بخصوص معدل البطالة في البلاد، معتبرا أن نسبة البطالة "أكبر بكثير من الأرقام المعلنة"، ودعا إلى ضرورة مراجعة الأرقام والإحصاءات الخاصة بمعدل البطالة والتي وصفها ب"المتضاربة بين تقدير المؤسسات الحكومية والدولية".
ودعا رئيس فريق الأصالة والمعاصرة المعارض، الحكومة إلى اعتماد إجراءات مستعجلة لمواجهة ما سماها "معضلة مستعصية تكاد تعصف بالبلاد"، في إشارة منه إلى احتجاجات التي يطالب فيها سكان المنطقة منذ شهور بالتنمية وفرص الشغل.
وشدد بنعزوز على ضرورة الإبداع والابتكار في التعاطي مع ملف البطالة، إذ اقترح على الحكومة إحداث صندوق لضمان تشغيل الشباب العاطلين عن العمل على مستوى الأقاليم، مبرزا أن هذا الصندوق ينبغي أن تساهم فيه الجماعات المحلية والحكومة والبنوك والمقاولات.
أما عبد العلي حامي الدين، عضو فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، فدعا بدوره حكومة سعد الدين العثماني إلى ضرورة "تجاوز المقاربات السابقة وتطوير سياسة الدولة في مجال التشغيل"، مؤكدا على أن مداخل الوظيفة العمومية والقطاع الخاص والتشغيل الذاتي التي تعتمد في توفير فرص الشغل "لا تلبي حاجيات الطلب المتزايد على الشغل".
وسجل حامي الدين أنه "آن الأوان لمساءلة وتقييم الوساطة التي تقوم بها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات"، مشددا على أن البلاد تعيش "ظرفية استثنائية تفرض التفكير في حلول استثنائية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي"، كما حث الحكومة على الحد من التركيز على القطاعات الاستثمارية الكبرى، مطالبا بالاهتمام بقطاع الاتصالات الذي يحتاج إلى تدخل الدولة لتوفير مجال الوساطة بالإضافة إلى الحد من اللجوء للموارد البشرية العمومية في القطاع الخاص في مجال الصحة والتعليم وتوسيع حقل المهن الحرة المنظمة".
وأجمع ممثلو باقي الفرق بمجلس المستشارين على ضرورة إسراع الحكومة في اعتماد مخططات وبرامج جديدة ومبتكرة للتغلب على شبح البطالة الذي يترصد جحافل الشباب من خريجي الجامعات، كما طالبوا بتكاتف الجهود واعتماد مقاربة تشاركية لإنجاح أي مبادرة تروم التغلب على ظاهرة البطالة.