الرباط: اكثر من 53 في المائة من الذين استطلعتهم "إيلاف المغرب" بخصوص احتمال فتح مفاوضات بين بلادهم والجارة الاسبانية، بغاية الاتفاق على انسحاب سلمي من مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا شمال المغرب منذ اكثر من 500 سنة، يرون أن البلدين يتجهان، طال الزمن أم قصر،نحو إيجاد صيغة حل لنزاع هادئ فقد مبرر وجوده واستمراره.
وتعتقد تلك العينة ان مدريد، ستضطر بحكم جوارها النافع لها مع المغرب وبحكم التطور الديموقراطي الداخلي بها، الى الاستجابة بشكل من الأشكال لمطلب جارها الجنوبي الذي ما تخلى منذ قرون عن المطالبة السلمية والمحاولات الجهادية لاسترداد اجزاء من ترابه اقتطعها الاستعمار البرتغالي اولا ( سبتة) التي أهداها احد ملوكه إلى الإسبان.
في مقابل ذلك ، وصل عدد الرافضين لهذا الاحتمال الذين أجابوا بـ"لا" الى ما يقرب من 31 في المائة بينما بلغت نسبة الذين اكثر من 15 في المائة. فهل من تفسير لهذه النتيجة، وما هي القراءة السياسية الممكنة لها وما مدى واقعيتها؟
أول ما يجب التاكيد عليه ان استطلاعات "إيلاف المغرب" تتوجه الى فئة خاصة من المستجوبين، أولئك الذين لهم إمكانية الولوج الى شبكة الإنترنت حيث يمكنهم تصفح موقعهم "إيلاف المغرب" وبالتالي يجب التعامل مع نتائج الاستطلاعات التي تجريها " إيلاف المغرب " على انها انتقائية ولا تعبر بالضرورة عن مجمل شرائح الرأي العام المغربي . فما فسر تفاؤل هذه النسبة المهمة ( 53,85 في المائة) من الفئة الواعية من المغاربة ،وثقتهم في امكانية حدوث اعتراف بحق المغرب من لدن الجارة الاسبانية ،وهي التي طالما رفضت الحديث عن الموضوع ،فبالاحرى الاعتراف بمغربية سبتة ومليلية وغيرهما من الثغور البحرية المحتلة في شمال المغرب .فقد صمت آذانها عن نداءات مقترحات لحل المشكل من قبيل عرض السيادة المشتركة او تحويل المدينتين الى منطقة حرة وموقع مالي ، تحت سلطة البلدين لفترة انتقالية متفق عليها تتقاسمان السيادة بموجبها،كما رفضت مدريد حلا آخر لا يقل أهمية وشجاعة عرضه الملك الراحل الحسن الثاني الذي رأى ان المخرج السلمي ممكن ،مشترطا اعادة جبل طارق الى اسبانيا باعتبار تلك الصخرة جزءا من التراب الإسباني ، وبالتالي تفقد سبتة أهميتها العسكرية وتطمئن إسبانيا .
وكان في ذهن وتصور الملك الراحل الحسن الثاني ان يوحد الإسبان والمغاربة جهودهما الدبلوماسية للضغط على بريطانيا بشأن مستعمرة جبل طارق ، ولكل منهما اوراقه ؛ لكن مدريد غضت الطرف عن خطة الملك الراحل مع انها كانت وما زالت رؤية استباقية ، قابلة للتحيين والتطوير في ظرف ترفض فيه بريطانيا الرحيل عن صخرة جبل طارق ،متذرعة بأنها لا يمكن ان تعارض إرادة شعب الصخرة الرافض للانضمام الى إسبانيا. كما ان هذه الاخيرة جددت مطالبها خاصة وان المستعمرة البريطانية لم تعد جزءا من الاتحاد الاوروبي بعد قرار خروج بريطانيا منه ، وبالتالي صار الخلاف ثنائيا بين مدريد ولندن ، وبالفعل يوجد توتر صامت بين بريطانيا وإسبانيا .
يشار في هذا الصدد الى ان الملك الراحل الحسن الثاني حرصا منه على ترسيخ علاقات السلم والتعاون مع إسبانيا ، اقترح على الجانب الإسباني مقاربة فكرية أكاديمية للمشكلة من خلال احداث " خلية مشتركة للتفكير " تنكب عليه من كافة الجوانب ووضع السيناريوهات والبدائل الممكنة ؛ لكن جارة المغرب الشمالية رفضت كعادتها التطرق للموضوع تحت اي ستار او مبرر، مؤكدة ان ما يطالب به المغرب ، حق إسباني لا يمكن التفريط فيه.
في هذا السياق ، يلاحظ ان المغرب خفف في السنوات الأخيرة من حدة مطالبه بخصوص سبتة ومليلية بالنظر الى انشغاله بملف الصحراء ، واعتقادا منه ان إسبانيا بأمكانها ان تنزل بثقلها اذا ارادت للتوصل الى تسوية سلمية لنزاع الصحراء ، فهي التي تملك الدلائل على ان الصحراء جزء من المغرب ، باعتبارها قوة استعمارية محتلة سابقة اجبرت على الانسحاب من الأقاليم الجنوبية المغربية عام 1975 . ولو كان هناك "شعب صحراوي "كما تدعي جبهة البوليساريو ، لما غادر الجيش الإسباني تلك الربوع. فهل تُمارس مدريد مقايضة مع المغرب : التخلي عن سبتة ومليلية مقابل " الحياد" الملتبس في ملف الصحراء ؟
الواقع ان السياسات الإسبانية تتسم بالغموض ونوع من النفاق الدبلوماسي حيال المغرب ، سواء بخصوص سبتة ومليلية او الصحراء.
ومع ذلك ،يستمر المغاربة في التفاؤل والنظر بأمل الى المستقبل ، تعبر عن ذلك نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب" كنقطة ضوء بعيدة في عتمة المصير الذي ينتظر الثغرين المحتلين: سبتة ومليلية.
كيف ستكون اجوبة الإسبان اذا وضع عليهم سؤال مماثل ؟ مؤسسات استطلاع الرأي المتطورة هناك لا تجرؤ على سؤال الإسبان عن موقفهم من وضعية سبتة ومليلية. ان فعلوا ذلك فقد يتهمون بالخيانة او على الأقل الخروج عن الاجماع الوطني.