الرباط: سألت "إيلاف المغرب" قرّاءها عن موقفهم من التجربة البرلمانية المغربية وتقييمهم لها ؛ فجاءت النتائج محبذة لها إجمالاً، بنسبة ارتياح عالية، إذ رأت نسبة 27 في المائة من المستجوبين بواسطة الاستطلاع الذي نشرته "إيلاف المغرب"، وتصدر صفحتها الرئيسة بعد انتهاء اقتراع 7 أكتوبر، وإعلان نتائجها في اليوم الموالي، أن التجربة البرلمانية "متميزة"، بينما تعتقد نسبة مماثلة من الذين أدلوا برأيهم أن التجربة "جيدة "، وبالتالي فإن نسبة الرضا بين الجودة والتميز عالية، تضاف لها النسبة الباقية أي 46 في المائة، وهي تعتقد بدورها ومن جانبها أن التجربة "لا بأس بها"، وهو معطى ليس سلبياً أو متشككاً في التجربة.
ويدل استطلاع "إيلاف المغرب" رغم محدودية مدته وعينته واحتوائه على سؤال واحد شديد الوضوح؛ على أن المغاربة مرتاحون أو على الأقل، متطلعون إلى نجاح تجربتهم البرلمانية الفتية التي تختلف قطعًا وفي الكثير من التفاصيل والأساسيات عن سابقاتها، حيث تنفرد بمعطيين هامين: أولهما النزاهة المتقدمة، إذا جاز التعبير، التي طبعت الاقتراع الأخير وكذلك الذي قبله عام 2011. وهذه الشفافية التي دشنها وأرسى ضوابطها دستور 2011 الذي خول المؤسسة التشريعية، صلاحيات كبيرة قياسًا لسلطة البرلمانات السابقة التي كانت تعتبر بمثابة غرف استماع وتسجيل ذات قدرة محدودة جداً على التقرير في السياسات الكبرى ، كونها كانت تشكو من علل وعيوب في صلب الاقتراع نفسه من حيث غياب الشفافية التامة.
كان الاقتراع يتم من دون مراقبة صارمة، بينما خضع الاستحقاق الأخير لمراقبة مكثفة من ملاحظين كثيرين أتوا من الخارج ومن منظمات المجتمع المدني والحقوقي بالبلاد؛ مع الإشارة إلى أن السلطات المغربية تحفظت على جهات رأت أنها مدفوعة بأهداف وأجندات أخرى لا علاقة لها بالملاحظة النزيهة لمجريات الاقتراع.
وتعزز نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب" الأجواء الايجابية العامة التي خلفتها استحقاقات السابع من أكتوبر، على الرغم من الحملة الضارية التي سبقتها وتميزت بتبادل كثيف للاتهامات بين حزبي العدالة والتنمية متصدر النتائج وبين غريمه ومنافسه الأكبر "الاصالة والمعاصرة"، الذي يوصف من قبل معارضيه بكونه يسير على حافة السلطة ويستفيد من حلمها حيال تجاوزاته. ومن المؤكد أن حصول الإسلاميين المعتدلين على المرتبة الأولى يقف بصورة من الصور وراء تعلق المستجوبين بالتجربة البرلمانية.
في هذا السياق، تشير الأحكام الإيجابية المعبر عنها حيال التجربة المغربية إلى أن ما يقال عنها من آراء سلبية وتوجيه نقد لاذع لها، لا يؤثر إجمالاً وبكيفية حاسمة في موقف الذين استطلعت آراؤهم بخصوصها؛ ما يعني أنهم شاعرون ويتفهمون صعوبة البدايات وتعثر المسلسل الديمقراطي الذي يرسي، ولا يزال، أسسه" العهد الجديد" قبل الاستفتاء على الدستور المعدل عام 2011 ، وبالتالي فإن تلك الأعطاب ستترك على جانبي الطريق كلما تسارعت الخطى نحو اكتمال صرح الديمقراطية في المغرب.
الجدير بالإشارة هنا الى أن النتائج التي افرزها استطلاع "إيلاف المغرب"، الذي نوضح أنه استئناسي، تعكس معرفة التوجه العام للمواطنين المغاربة، ناخبين وممتنعين عن التصويت.
وفي هذا الصدد، لا تغيب عن الذهن النسبة المتدنية للمقترعين، والتي يتجه مؤشرها السلبي نحو الصعود؛ إذا استحضرنا أن أكثر من مليون صوت لم تحتسب، ولم تذهب لصالح أي مرشح أو قائمة حزبية، علمًا أن العملية الاقتراعية في المعازل بسيطة وسهلة على أي مصوت، أما ذوو الاحتياجات الخاصة فقد رتبت لهم مساعدة للإدلاء بصوتهم .
في غضون ذلك، لم تخف وزارة الداخلية المغربية عدد الأوراق الملغاة، غير أن ملاحظين كثيرين اعتبروها أمرًا مقلقًا لا يريد أي طرف الاعتراف بالمسؤولية عن حدوثه وتكراره في الاستحقاقات الأخيرة، حيث لم يتحرك المنحنى التصاعدي خلال عمليات الاقتراع الوطنية وكذا المحلية.
وتحمل السلطات المغربية المكلفة تنظيم الانتخابات، من دون أن تجهر بذلك، الأحزاب المغربية جراء التراجع المستمر في الإقبال على صناديق الاقتراع، مرجعة (السلطات) ذلك إلى فشل الأحزاب وعجزها عن تأطير المواطنين ورفع درجة التسييس بينهم.
لكن الأحزاب لا تسكت عن الاتهام وتجدها مناسبة لتصفية حسابها القديم مع جهاز وزارة الداخلية واذرعها السلطوية المنتشرة في كافة جهات ومناطق المغرب؛ فهي، حسب الأحزاب، التي تنفر المواطنين من القيام بواجبهم الوطني من خلال "الأساليب" التي تستعملها في التأثير على فئات من الناخبين ليصوتوا لصالح جهة ترضى عنها السلطة.
من جهتهم ، يقلل محللون مستقلون، من تأثير وزارة الداخلية المغربية على موقف الناخبين، والأمر، من وجهة نظرهم، أعقد وأصعب، يتطلب تحليلاً سوسيولوجيًا للأوضاع الحزبية في المغرب للكشف عن عيوبها الذاتية ولتحديد جوانب قصور أدوات التواصل التي تخاطب من خلالها الناخبين بعد أن تغيّب عنهم سنوات طويلة.