: آخر تحديث
السعودية منحتهم الانطلاق.. والأردن قلب مسار الرحلة رأسًا على عقب!

لورنس العرب يُحرّض البريطانيين.. أربعة جمالة يعيدون غزو صحراء النفود الكبرى

13
14
9

إيلاف من لندن: الصحراء لا تُسامح. الشمس تلسع في النهار، والبرد يعضّ في الليل، والرمال تمتد بلا نهاية. ومع ذلك، قرر أربعة محاربين بريطانيين قدامى أن يواجهوا هذا الامتحان القاسي، ويعيدوا إحياء رحلة خلدها التاريخ، وقادها رجل واحد غير مسار الشرق الأوسط: تي إي لورنس، أو كما عرفه الجميع.. لورنس العرب.

عندما انطلقت قافلة الجِمال من قلب صحراء النفود السعودية، لم يكن الأمر مجرد رحلة عبر الرمال، بل كان عبورًا إلى الماضي، إلى زمن كانت فيه الصحراء ساحة معركة، وكانت العقبة هدفًا، وكان تي إي لورنس، أو "لورنس العرب"، قائدًا يغير خريطة الشرق الأوسط.

اليوم، وبعد 90 عامًا من وفاته، عاد أربعة محاربين بريطانيين قدامى إلى هذه الأرض ليعيدوا إحياء رحلته، خطوة بخطوة، من المملكة العربية السعودية إلى الأردن، على ظهور الجِمال، تمامًا كما فعل لورنس.

هوارد ليدهام، جيمس كالدر، كريغ روس، ومارتن طومسون، جميعهم من القوات الخاصة البريطانية، قرروا خوض التحدي الذي امتد 700 ميل عبر الصحاري القاحلة، في محاولة لإعادة كتابة التاريخ بحوافر الجِمال وخطواتهم هم.

على مدار 25 يومًا من المشقة والصمود، قطع الرجال الصحراء في ظل حرارة تصل إلى 37 درجة مئوية في النهار، وبرودة تصل إلى ما دون الصفر ليلاً، متنقلين بين محطات تحمل إرثًا عسكريًا خالداً: فجر، الجواري، الباير، والعقبة.

كان المشهد أشبه بفيلم سينمائي يعيد إحياء واحدة من أكثر الفصول التاريخية إثارة. كانت الرمال نفسها التي سار عليها لورنس، وكانت الجِمال نفسها التي تحمل رجالًا اختبروا أصعب التدريبات العسكرية في حياتهم، لكن شيئًا لم يكن سهلًا.  

لورنس العرب يعود بعد 90 عامًا.. أربعة جمالة يقتحمون صحراء النفود الكبرى!
أربعة جمالة يقتحمون صحراء النفود الكبرى

الجِمال تتحمل.. لكن ماذا عن الجمالة؟
ركوب الجمل ليس تجربة سهلة، وليس أي شخص قادرًا على التحكم بهذه المخلوقات العنيدة التي تعيش وفق قوانينها الخاصة. لم يكن أي من الرجال قد امتطى جملًا من قبل، لذلك خضعوا لدورة تدريبية مكثفة استمرت 10 أيام، تعلموا خلالها أسرار التعامل مع هذه الحيوانات الصحراوية التي لا تقبل الأوامر بسهولة.

كانوا يسافرون 50 كيلومترًا يوميًا، لمدة ثماني ساعات متواصلة، يواجهون الرمال التي لا نهاية لها، والرياح التي تعصف بالوجوه، والعطش الذي لم يكن يُروى بسهولة.

لكن الصحراء لم تكن مجرد أرض قاسية، بل كانت أيضًا ساحة لاختبار الإرادة، مكانًا حيث لا ينجو إلا الأكثر صلابة.


من رمال السعودية إلى العقبة الأردنية

كيف فاجأ الملك عبدالله الثاني الجمالة؟
عند وصولهم إلى الحدود الأردنية، كانت المفاجأة الكبرى في انتظارهم. الملك عبد الله الثاني، الذي تابع مغامرتهم عن كثب، منحهم جِمال الشرطة الأردنية، وهي أقوى وأسرع، ما منح الرحلة دفعة جديدة من السرعة والقوة، وكأن الصحراء نفسها قررت مكافأتهم أخيرًا على كل ما تحملوه من عناء.

الجِمال الأردنية غيرت إيقاع الرحلة بالكامل. فجأة، أصبح بإمكان الرجال قطع المسافات بسرعة لم يحلموا بها، وكأن لورنس نفسه يقف هناك، يراقبهم من خلف حجاب التاريخ، يدفعهم للأمام كما فعل قبل أكثر من قرن.

عندما دخلوا العقبة، لم يكن ذلك مجرد وصول، بل كان انتصارًا على الرمال والتعب والتاريخ. في استقبالهم، كان هناك موكب احتفالي رسمي، موسيقى تقليدية، واستعراض عسكري، تكريمًا لهم وللورنس الذي جعل هذه المدينة نقطة محورية في انتصارات الثورة العربية الكبرى.



هجوم على قطار عثماني 
قبل الوصول إلى العقبة، قرر الرجال إعادة تمثيل واحد من أكثر مشاهد رحلة لورنس العرب شهرة: الهجوم على القطار العثماني.

بمشاركة 40 شخصًا من السكان المحليين، وضعوا الخطة، ركبوا الجِمال، وانتظروا اللحظة المناسبة. القطار كان يحمل أصدقاءهم وعائلاتهم، لكن السائحين الذين لم يعرفوا بما سيحدث أصيبوا بالذهول عندما دوى صوت "الهجوم"، وانتشرت الدهشة على وجوههم.

بالنسبة للمجموعة، لم يكن هذا مجرد مشهد مسرحي، بل كان لحظة غامرة شعروا فيها أنهم أقرب ما يكونون إلى لورنس نفسه، يعيشون جزءًا مما عاشه، يختبرون شجاعة من سبقوهم في هذه الرمال.

لورنس ينتظر في موريتون  
لم يكن الهدف مجرد الوصول إلى العقبة، بل إكمال حلقة التاريخ. الرجال جمعوا الرمال من أربع محطات رئيسية في الرحلة، فجر، الجواري، الباير، والعقبة، ووضعوها في أكياس خاصة، تمهيدًا لنثرها لاحقًا على قبر لورنس في موريتون، دورست، حيث يرقد منذ أن لقي حتفه في حادث دراجة نارية عام 1935.

في 19 أيار (مايو)، وبالتزامن مع الذكرى الـ90 لوفاته، سيجتمعون مع أعضاء جمعية لورنس ليمنحوه جزءًا من رحلته الأخيرة، ليعود إليه شيء من الرمال التي غيرت حياته، وغير هو مجراها.

هوارد ليدهام

عندما تبدأ الرحلة في حانة
بالنسبة لهوارد ليدهام، لم يكن يتوقع أن تتحول فكرة عابرة إلى مغامرة خلدها التاريخ. "كنت مع بعض الأصدقاء، ربما بعد كأسين من النبيذ الأحمر، وقلت: لم لا نعيد رحلة لورنس؟".

ما بدأ كمزحة، أصبح ملحمة حقيقية. أربعة رجال، عشرة جِمال، و700 ميل من الرمال القاسية، لكن في النهاية، كانت الرحلة أكثر من مجرد عبور للصحراء، كانت استعادة لروح المغامرة، احترامًا لرجل لم يكن عاديًا، في أرض لم تكن ترحم الضعفاء أبدًا.

السعودية منحتهم نقطة الانطلاق، الأردن منحهم السرعة والقوة، والصحراء اختبرتهم حتى النهاية. لورنس العرب قادهم قبل قرن، والصحراء أعادت اختبارهم اليوم.. والنتيجة؟ تاريخ يُعاد من جديد!

* أعدت إيلاف التقرير عن "التلغراف": المصدر


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في لايف ستايل