اللاعب المصري العالمي محمد صلاح لقبه جمهور فريق ليفربول بـ"الملك المصري" أو "الفرعون المصري"، وألَّفوا له أغنيةً يغنيها جمهور ليفربول كلما سجل صلاح هدفًا.
وبسبب محمد صلاح، أصبح هناك ملايين من المصريين (وأنا أولهم) يشجعون فريق ليفربول وكأننا نشجع فريق الأهلي أو الزمالك (كلٌّ حسب انتمائه)! بالرغم من ذلك، فإنَّ معظم أو ربما كل ملايين مشجعي ليفربول المصريين لا يعرفون أين تقع ليفربول على خريطة العالم. وإذا انتقل صلاح من اللعب مع ليفربول في نهاية عقده وذهب للعب في فريق باريس سان جرمان، فسوف ينتقل هؤلاء الملايين من تشجيع ليفربول إلى تشجيع فريق باريس سان جرمان.
ومن الظواهر الإيجابية لهذا اللاعب الفذ أنه تسبب، دون أن يقصد، في تقليل الحوادث العنصرية ضد المسلمين في إنجلترا.
كما أن مجلة التايم الأميركية في عام 2019 وضعته على غلافها كواحد من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم.
وحاليًا، محمد صلاح هو هداف الدوري الإنجليزي، كما أنه أيضًا أكثر لاعب يساعد زملاءه في إحراز الأهداف بعدد التمريرات الحاسمة، وهذا شيء نادر لأنَّ الهداف عادةً ما يركز على إحراز الأهداف لنفسه ولا يمرر كثيرًا الكرة لزملائه لإحراز الأهداف.
وكثير من المحللين الرياضيين يتوقعون فوز محمد صلاح هذا العام بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم.
فهل أتى هذا من فراغ؟ أم أنها ضربة حظ؟ بالطبع لا، فلقد وصل إلى هذا المستوى بعد أن انتقل من مصر إلى سويسرا لكي يلعب مع فريق بازل في سن 19 سنة، وهناك، وفي سويسرا، يقول صلاح: "شعرت أننا لم نكن نتمرن في مصر"، وأن الاحتراف في أوروبا مثله مثل أي وظيفة محترفة، حيث تتمرن 8 ساعات يوميًا بصفة جدية وقاسية وتخضع لنظام غذائي وطبي ونفسي شامل، أي أن الموضوع ليس لعبًا أو مزاحًا.
ومرة، خلع صلاح قميصه احتفالًا بعد أن سجل هدفًا جميلًا في مرمى فريق مانشستر يونايتد، ففوجئنا بعضلاته وكأننا أمام لاعب كمال أجسام، وهذا يعكس جدية التدريب العضلي.
وفي المقابل، كان هناك قبل صلاح لاعب مصري فذ اسمه عمرو زكي، وصل به الأمر في النصف الأول من الموسم إلى أنه كان في قمة هدافي الدوري الإنجليزي، لكنه كان غير جاد في التدريب وأعماه النجاح والمال، فسافر إلى مصر في إجازة وتخلف عن موعد عودته للتدريب مع فريقه، وعندما عاد، قدَّم لمدربه عذرًا لتأخره (كذبًا) بأنه كان مريضًا وأعطاه شهادة مرضية من طبيب في مصر (وافتكر نفسه موظفًا في وزارة الأوقاف!). وبالطبع، لم يستمر في الدوري الإنجليزي لأنه كان غير جاد، وقال عنه مدربه الإنجليزي ستيف إنه أسوأ لاعب شاهده في حياته من حيث الجدية في الانتظام في التدريب، بالرغم من موهبته.
ولماذا أخذ محمد صلاح كل هذا التأييد وتلك الشعبية في مصر والعالم العربي؟ الجواب ببساطة أنه فلتة في عالمنا الكسول الجميل.
فلنتأمل ما قدمناه للعالم والإنسانية خلال قرن ونصف من الزمان:
- عمر الشريف: ممثل عالمي في أفلام "لورنس العرب" وبطل "دكتور زيفاجو".
- نجيب محفوظ: جائزة نوبل للآداب.
- أحمد زويل: جائزة نوبل في الفيزياء.
- الدكتور سير مجدي يعقوب: جراح القلب العالمي.
- رامي مالك: حاصل على أوسكار أفضل ممثل.
(وأنا متأكد من وجود نماذج فردية أخرى، لكنها ليست مشهورة شهرة هؤلاء الخمسة).
ما الذي يجمع بين هؤلاء الخمسة؟
1. كلهم يتمتعون بموهبة فذة.
2. كلهم (باستثناء نجيب محفوظ) صُقلت مواهبهم في بلاد تقدر المواهب مثل أميركا وإنجلترا.
3. كلهم عرف عنهم الجدية في العمل والمثابرة والاستمرار.
4. كلهم لم يحتاجوا إلى "واسطة" أو ابن خالة عمهم لكي يصلوا إلى ما وصلوا إليه.
5. كلهم لم تفسدهم الشهرة والنجاح والمال.
وأتساءل: لماذا نجح هؤلاء في بيئة غير البيئة التي نشأوا فيها، ونجحوا في مجتمعات تقدر العمل الجاد والعلم والمعرفة وتكره الواسطة والمحسوبية؟
إلى جانب هؤلاء الخمسة (وغيرهم من أفراد مهاجرين معدودين)، لم نقدم للعالم أي اختراع أو منتج نراه موجودًا في كل مكان حول العالم.
أسير بسيارتي في شوارع أميركا فأشاهد سيارات من اليابان وكوريا وألمانيا وأميركا. أسير في شوارع القاهرة فأجد نفس السيارات، بالإضافة إلى سيارات من الصين وأوروبا. أدخل محلات كثيرة في أميركا فأشاهد مصنوعات من حول العالم، ونادرًا ما أجد منتجًا واحدًا من بلادنا الجميلة.
حتى في بلادنا الجميلة، معظم المنتجات في الأسواق ليست من إنتاجنا، حتى منتجاتنا من القطن المصري التي كانت لها شهرة عالمية اختفت تقريبًا من الأسواق العالمية.
لقد آن الأوان لكي نقدم شيئًا للعالم نفخر به بالإضافة إلى محمد صلاح، حتى لا يصيح صلاح: "الكعكة في يد اليتيم عجبة"! دعونا نقدم للعالم منتجًا واحدًا، حتى لو كان قلم رصاص بممحاة!