برزت ملامح إعلامية ذات طابع ديني للقيادة العامة الجديدة في سوريا، بعد إزالة تراث حكم الأسد الدموي، فقد فرضت السلطة الدينية المسلحة بقيادة أحمد الشرع،"الجولاني"، صورة لإعلام غطاء الرأس للصحفيات الأجنبية والعربية!
اللقاءات الصحافية التي حرص عليها القائد العام السوري أحمد الشرع بشدة، صاحبها شرط غطاء الرأس للنساء الصحفيات بصرف النظر عن الجنسية والهوية والعقيدة، تماشياً مع قناعات فردية وشخصية، وتوجهات دينية متشددة لتنظيم "هيئة تحرير الشام" والفصائل الدينية التابعة.
بالرغم من النفي المتكرر للشرع، "الجولاني" وحكومته بالسعي إلى عدم تكرار تجربة دولة طالبان في أفغانستان، إلا أنه من الواضح التوجه الديني المتشدد للقيادة العامة في سوريا، وفرض غطاء الرأس على الصحفيات كشرط للقاءات والأحاديث الإعلامية في مخاطبة المجتمع الدولي!
بالتأكيد، أن القائد العام أحمد الشرع الذي حافظ على خلفيته الدينية المتشددة بلباس مدني حالياً، يسعى إلى تصدير بكثافة التطمينات الى المجتمع الدولي لإعادة صياغة العلاقات مع العالم خارج الصورة الذهنية التي ارتبطت بالإرهاب لتلك الفصائل الدينية المسلحة.
الخوف من المجهول ليس في سوريا فقط، وانما في المحيط العربي والمجتمع الدولي حتى بعد إعادة النظر في رفع اسم "الجولاني" وغيره من قائمة الإرهاب، فمن الصعب فصل الماضي لهذه الفصائل الدينية المسلحة عن الحاضر بعد سقوط نظام بشار الأسد.
لن يكون من السهل التكهن في مستقبل سوريا بهذه السرعة، والمستقبل المنظور حتى في ظل كثافة التطمينات السياسية والإعلامية، وعودة حياة طبيعية في المستقبل القريب، وحكم الشعب بعد انتهاء مرحلة الاستفتاء الشعبية، ووضع قواعد دستورية واعدة مدنياً وديمقراطياً.
التطمين السوري الجديد لم يستثن إسرائيل، فرسالة القائد العام "الجولاني" لا تحمل عداوة سياسية أو عسكرية لتل أبيب، وربما لدينا في المستقبل المزيد من المفاجآت السورية الغير تقليدية عربياً، التي قد تقود إلى مشهد عربي صاعق من قلب دمشق!
الطريق شاق أمام مسيرة العودة لدولة المجتمع المدني في سوريا، فقد طوى تراث أسرة الأسد الدموي الآمال والأحلام في دولة المؤسسات المدنية، وعدالة القضاء، وعودة نبض الحياة من دون رعب استخباراتي، وعودة حياة تعليمية طبيعية من دون تدخل الإسلام السياسي.
إعلام غطاء الرأس في سوريا قد يقودنا إلى صورة أوضح لواقع "الشرق الأوسط الجديد" مختلفة عن التصور أو التوعد الإسرائيلي أو أسوء من طموح تل أبيب للواقع "الاستراتيجي في الشرق الأوسط" كما افصحت عنه إسرائيل قبل شهور.
المفاجآت والصواعق السياسية قد تبدأ بسرعة بعد حفل تنصيب الرئيس المنتخب الأميركي دونالد ترامب، وقد تتأخر قليلاً، لكنها قادمة لا محالة، وربما من قلب دمشق وتل أبيب وواشنطن!
هل سيكون للدول العربية تأثيراً في "الشرق الأوسط الجديد"؟!
الوضع العربي ضبابي وتغلب عليه لغة كلاشيهات دبلوماسية، وعبارات مفرطة في التفاؤل السياسي، وربما ضخ الأموال إلى سوريا كما حصل في مؤتمر المانحين أبان حقبة بشار الأسد يعد المقاطعة للنظام نفسه!
الحقائق التاريخية كثيرة وكذلك الوقائع، والمؤشرات لا تبشر بيقين قاطع في عودة حياة مدنية وديمقراطية في سوريا، كما عرفها ويتمناها المجتمع الدولي من دون اشتراطات وقيود دينية محافظة أو متشددة وخاصة بشأن الحريات الإعلامية والفردية.
مخاطبة المجتمع الدولي تحتم النأي بالدولة السورية عن الدين، من دون قيود دينية متشددة أو محافظة أو مجزرة اجتماعية وأثنية، فالدستور السوري المأمول لا ينبغي أن يخضع لرؤية جماعة دينية محافظة أو فصائل مسلحة تستفرد بالقرارات السياسية ومستقبل سوريا.
نقطة الضعف المؤثرة في صورة القيادة السورية الحالية تكمن في التمسك في إعلام غطاء الرأس في سوريا التي يمكن أن تقود إلى فقدان نقاط قوة ومكاسب سياسية وعسكرية حققتها المعارضة السورية وفصائل "هيئة تحرير الشام".
الوجه القبيح للتيار الإسلام السياسي والفصائل الدينية المسلحة يتغير ويتكيف، حتما، مع الظروف والزمان والتحديات، لكنه يظل الوجه الحقيقي حتى في ظل سناريو التطمينات والمهادنة الجديدة القادمة من سوريا.
*إعلامي كويتي