يتداول منذ قرون موضوع الكراهية التاريخية المستمرة تجاه اليهود، والمعروفة بـ«معاداة السامية»، وهي قضية معقدة ومتعددة الأوجه، ذات جذور تاريخية عميقة، تساهم عوامل عدة في بقائها حية، كالسرديات الدينية التاريخية المسيحية، التي ألقت اللوم عليهم، بعد أن قام «يهوذا الاسخريوطي»، أحد تلاميذ المسيح، بالوشاية بمكان وجوده للرومان، فتم القبض عليه وصلبه، وتسبب هذا في تعرّض اليهود تالياً للاضطهاد المستمر، من المسيحيين، بعد أن قويت شوكتهم. لكن الكنيسة الكاثوليكية، الأكبر عالمياً، أصدرت بعد قرابة ألفي عام وثيقة تاريخية غيّرت نظرتها تجاه اليهود بشكل جذري، وتوقفت عن تحميل «يهود اليوم» وزر مقتل المسيح. وفي عام 1998 صادق الفاتيكان على وثيقة أخرى، تضمنت طلب الغفران للأخطاء، التي ارتكبها بعض المسيحيين في حق اليهود، لكنها لم تغيّر كثيراً من مشاعر العداء ضدهم.
كما أن هناك عوامل اقتصادية، وراء هذه الكراهية، فغالبًا ما تم تصوير اليهود على أنهم يسيطرون على الثروات والمؤسسات المالية، وهذا جعل الثري يكرههم، لأنه في حاجة مستمرة لهم، ويتعرّض لابتزازهم بسببها، والفقير يكرههم، لأنهم يمتلكون المال، الذي لا يمتلكه، وتزداد الكراهية خاصة في الأزمات المالية. وقد كرّس العبقري «شكسبير» هذه الكراهية لليهودي في شخصية «شايلوك»، في مسرحيته الرائعة «تاجر البندقية».
وفي شكل من أشكال التمييز العنصري والاضطهاد ضد اليهود، منعتهم إنكلترا عام 1275 من تحقيق أية فوائد مقابل قروضهم. وفي عام 1555 أقيم في روما أول «غيتو» لليهود بأمر من البابا، حيث حرّم عليهم جميع حقوقهم أو مزاولة أي نشاط تجاري، باستثناء بيع الخرق والملابس القديمة، واستمرت هذه القيود حتى عام 1849. وفي ألمانيا النازية ضغط عليهم النظام، وأغلق أمامهم الأنشطة التجارية، واستبعدهم كلياً من الحياة الاقتصادية، وحاول القضاء التام عليهم بالحرق في أفران الغاز والقتل والتهجير، وكانت تلك بداية سعيهم للحصول على دولة لهم، وبالذات خارج أوروبا، وبعيداً عن الأوروبيين. كما منعتهم دول أوروبية من تملّك العقارات، وهذا دفعهم أكثر لممارسة الربا، وتحقيق ثروات هائلة في الحروب، كما كانوا هدفاً سهلاً للأنظمة الفاسدة، التي كانت تستخدمهم ككبش فداء عند وقوع الكوارث والأوبئة والأزمات الاقتصادية، وجعلهم سبب كل بلاء، مع استمرار تداول نظريات المؤامرة، وتكرار مقولات هيمنتهم على العالم، من خلال حكومة سرية، تقرر مصير العالم، كما أدى إنشاء إسرائيل، والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، في بعض الأحيان، إلى خلط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية، علماً بأن العرب في عيون الأوروبيين ساميون أيضاً! كما أن إصرارهم على الادّعاء بأنهم «شعب الله المختار» خلق لهم عداوات لا حصر لها، فمن يعلن احتقاره لك علناً، لا تملك غير معاملته بالمثل. كما كان لتفضيل اليهود، بعد تجربة روما، العيش منعزلين عن غيرهم، لأسباب دينية واجتماعية، في «غيتوهات»، لتجنّب اختلاط طريقة معيشتهم وطعامهم بغيرهم، دور في زيادة كراهيتهم، بسبب تعاليهم على غيرهم، خاصة أن بعض اليهود، من خلال سلوكياتهم وتصرفاتهم، يُظهرون تعاليهم على باقي البشر، فالأغيار، كما يسمونهم، هم حثالات الأرض.
إن هذه التحيزات تستند كثيراً إلى صور نمطية، ومعلومات مضللة، وليست مستندة على أدلة واقعية. ويعكس استمرار معاداة السامية قضايا أوسع نطاقًا من عدم التسامح والخوف من «الآخر»، والميل البشري إلى البحث عن تفسيرات بسيطة لمشاكل معقدة، كما ساهم الصراع العربي الإسرائيلي، بعد إنشاء إسرائيل، في تصاعد مشاعر معاداة اليهود في العالمين العربي والإسلامي.
أحمد الصراف