الحكومة اللبنانية الجديدة التي شكلها الرئيس نواف سلام هي أفضل الحكومات التي تشكلت في العقد الماضي. لكن هذا لا يكفي، فهي حكومة ما بعد الضربة القاصمة التي تلقاها "حزب الله"، وبالتالي هي حكومة متحررة إلى حد بعيد من هيمنة الحزب المذكور. لا بل إن الأخير ومعه شريكته حركة "أمل" يعانيان من معضلة إثبات امتثالهما لقواعد اللعبة الجديدة التي فرضها مقتل الآلاف من مقاتلي الحزب، وتدمير القسم الأكبر من مخزونه العسكري، وتسوية عشرات القرى والأحياء بالأرض في المدن من الجنوب إلى البقاع مرورًا بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
هذا الواقع وحده يكفي لقلب المعادلة رأسًا على عقب، فيرفع القبضة الأمنية والعسكرية الترهيبية التي استخدمها "حزب الله" وشريكه ضمن ما يسمى "الثنائي الشيعي"، والتي ترجمها بمكاسب في السلطة والحكم، وتحكم بالقرار الوطني دون شريك حقيقي، فضلًا عن أنه همّ بتنفيذ مشروع مخيف لتغيير هوية لبنان التعددية والمتوازنة بين المكونات والبيئات المتنوعة. ومن هنا، تمثل هذه الحكومة، من خلال تشكيلتها وتوازناتها وتوجهها السياسي العام، ترجمة سياسية لمرحلة ما بعد وصاية "حزب الله" التي دامت ما يقرب من عقدين.
ومن هنا، يعوّل الكثيرون على كل من الرئيس جوزيف عون ونواف سلام للعمل معًا لاستعادة مشروع الدولة، بعد طي صفحة الدويلة، ونعني بذلك مشروع "حزب الله" الذي ينبغي الانتهاء من جانبه العسكري والأمني ومعهما الوظيفة الخارجية التي تتحكم بها إيران عن بعد. وقد يكون من المهم فتح نقاش مع من بقي من قادة الحزب لدفعهم إلى حل التنظيم العسكري-الأمني للحزب، وتقديم طلب ترخيص للحزب في وزارة الداخلية، أسوة ببقية الأحزاب الشرعية. كما أنه من المهم مراقبة سلوك وزارة المال والمصرف المركزي تجاه "القرض الحسن"، الذي ينبغي أن يتم حله ومنعه من العمل كمصرف.
هذا هو الحل الوحيد الذي يجب وضعه نصب أعين مسؤولي الحزب، الذين يحتاجون إلى التفكير بشكل مختلف، بدءًا من التحرر من أسر الأيديولوجيا التدميرية التي أوصلتهم مع بيئتهم إلى كارثة ما بعدها كارثة. حان أوان التفكير في الانتقال من العمل العسكري والأمني إلى العمل السياسي والاجتماعي السلمي، على قاعدة الخضوع غير المشروط للقانون، الذي وحده من شأنه أن يساوي بين جميع اللبنانيين على اختلاف بيئاتهم.
ما نقوله اليوم يأتي في وقت نعرف فيه أن الحرب لم تنتهِ بشكل تام، وأن الإسرائيلي، حتى لو انسحب من الجنوب، فإنه سيواصل توجيه ضربات قاسية ضد الآلة العسكرية للحزب في كل زاوية من زوايا لبنان، تمامًا كما حصل في الأيام القليلة الأخيرة في الجنوب والبقاع الشمالي. ولن يقتصر الأمر على إسرائيل وحدها، بل إن الحكم الجديد في سوريا سيواصل الضغط عسكريًا داخل سوريا وعلى الحدود المشتركة مع لبنان لتصفية "حزب الله" وشركائه من عصابات التهريب، وأهمها تلك المتورطة في المخدرات والسلاح. لذا، فلتسارع قيادة الحزب إلى تصفية عملها ودورها وقدراتها العسكرية والأمنية قبل أن يصبح الثمن باهظًا جدًا.