فضيحة أخرى تضاف إلى سلسلة الفضائح التي تتكشف يوماً بعد آخر حول تعامل السلطات المحلية في مدينة أربيل مع المجرمين الهاربين من وجه العدالة في العراق. فقد كشفت مصادر صحفية أن الأجهزة الأمنية العراقية تمكنت من إلقاء القبض على أحد أعتى المجرمين في عهد دكتاتور العراق صدام حسين، وهو سعدون صبري المعروف باسم (عميد نزار)، رئيس الشعبة الخامسة السيئة الصيت بمديرية الأمن العامة، والمتهم بقتل أحد أعظم المراجع الدينية في العراق المرحوم محمد باقر الصدر وأخته الشهيدة الخالدة بنت الهدى في مطلع ثمانينيَّات القرن الماضي. حيث تمكنت مفرزة تابعة للمخابرات العراقية من تعقب هذا المجرم الذي هرب من العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري ولجأ إلى الأردن والإمارات ثم أربيل، وتم القبض عليه في أربيل وسوقه للمحاكمة في بغداد بتهمة قتل الآلاف من المعارضين للنظام.
اللافت في القضية أن مصدراً أمنياً تحدث إلى موقع "إنفو بلس"، مشيراً إلى أنَّ السلطات في إقليم كردستان حاولت تأخير عملية إلقاء القبض على المجرم المذكور بحجة إجراء التحقيق معه في الإقليم وعدم تسليمه إلى السلطات العراقية، لكن الجهاز الأمني العراقي رفض ذلك ونفذ عملية ناجحة لإلقاء القبض عليه وسوقه إلى بغداد. وكان المتهم قد أدلى باعترافاته الكاملة حول قتله للسيد الصدر وأخته.
لم تكن هذه الفضيحة الأمنية جديدة على المتابعين لشأن صفقات حكومة الإقليم مع المجرمين الهاربين من وجه العدالة العراقية، فقد سبق أن وفرت السلطات الأمنية في أربيل ملاذاً آمناً لعدد كبير من القادة والعسكريين العراقيين المتهمين بجرائم ضد العراقيين. حتى أن الكاتب الكبير الأستاذ حسن العلوي أشار في عدة لقاءات تلفزيونية إلى أنه راسل نائب صدام عزت الدوري عندما كان مقيماً في أربيل بعد سقوط نظامه، إلى جانب مرور العديد من قادة عمليات الأنفال التي أودت بحياة الآلاف من الكرد إلى خارج العراق عبر أربيل التي يسيطر عليها حزب البارزاني. ويبدو أن مثل هذه التسهيلات المقدمة إلى الهاربين لم تكن من دون ثمن!
لقد سبق لعدد من الناشطين السياسيين أن أعدوا قائمة طويلة بأسماء أكثر من 400 من قادة الأفواج الخفيفة وأمراء السرايا الأمنية ورؤساء الجحوش المرتزقة الذين شاركوا الجيش العراقي في تنفيذ عمليات الأنفال الإجرامية. وكان معظم هؤلاء المجرمين قد تم استيعابهم وإيواءهم من قبل حزب البارزاني ولا يزالون، وهناك من أحيل على التقاعد برتب كبيرة باعتباره من أفراد البيشمركة ويستلمون رواتبهم من الدولة، وتزخر الملفات المالية بالكثير من مثل هذه التجاوزات غير القانونية.
ما تم كشفه اليوم لا يعدو سوى غيض من فيض التصرفات غير السوية التي يقدم عليها حزب البارزاني لإدامة حكمه الفردي في إقليم كردستان، حتى ولو كان ذلك على حساب دماء ودموع الضحايا من أبناء الشعب الكردي.
إن حزب البارزاني لا يتوانى عن التحالف والتعاون حتى مع أعدى أعداء الشعب الكردي في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم. ولعل خيانته الكبيرة باستقدام الحرس الجمهوري الصدامي لاحتلال أربيل في 31 آب (أغسطس) من عام 1996 خير مثال على طبيعة هذا الحزب، وتتكرر الخيانة هذه الأيام بالسماح للجيش التركي باحتلال مساحات شاسعة من أراضي كردستان في محافظة دهوك وإقامة القواعد العسكرية فيها أمام أنظار ومسامع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.