أظهرت نتائج مؤتمر سويسرا الذي انعقد بدعوة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، فشل الأخير في تحقيق الأهداف التي سعى اليها. وأهمها كان الحصول على دعم أصدقاء روسيا الذين جرت دعوتهم، في محاولة منه لتبديد صورة الانتكاسات العسكرية التي منيت بها قواته مؤخراً.
تمثيل ضعيف
وكان المؤتمر الذي انعقد في فندق "بورغنستوك" قرب مدينة لوسيرن السويسرية، وهو مكان يحظى بشهرة تاريخية لاستضافته سابقاً سياسيين من أجل إنهاء نزاعات دولية، واستمر طيلة يومي 15 – 16 حزيران (يونيو)، شهد مشاركة نحو 93 دولة "من أجل إيجاد مسارات نحو سلام دائم في أوكرانيا، ووضع إطار ممكن لتحقيق هذا الهدف"، حسبما جرى التسويق له قبيل انعقاده في الصحف ووسائل الإعلام الغربية.
فيما أنَّ الهدف الأساسي للمؤتمر كان تشكيل قوة ضغط على روسيا، من خلال الحصول على تأييد أصدقائها، لفرض شروط الغرب وإملاءاته عبر خارطة طريق أحادية لإنهاء الصراع في أوكرانيا، تتعارض تماماً مع الوقائع الميدانية. لذا اعتبرته موسكو "مضيعة للوقت"، خصوصاً في ظل وجود مبادرة السلام التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام، والتي تؤدي الى حل نهائي ومستدام يحفظ ماء وجه الغرب.
بدأت ملامح الفشل تظهر على المؤتمر حتى قبل انعقاده، مع ميل العديد من الدول المدعوة من أصدقاء روسيا، وأيضاً الدول التي تقف على الحياد، الى عدم حضوره، بسبب عدم جديته، إذ كيف يمكن اجتراح حلول جدية للسلام بغياب الدولة المعنية، أي روسيا؟
الأمر الذي دفع بوزير الخارجية السويسري إغنازيو كاسيس الى التأكيد خلال تقديمه برنامج المؤتمر لوسائل الإعلام بأنه "خطوة أولى، لكن لن تكون هناك عملية سلام من دون روسيا. السؤال لا يتعلق بمشاركة روسيا من عدمه، بل متى؟"
لكنَّ غالبية الدول الصديقة لموسكو عادت وفضلت الحضور فيما بعد لتقديم الرؤية الخاصة بها حول كيفية إنهاء النزاع، والتي تدور كلها حول حتمية مشاركة روسيا في النسخة المقبلة للمؤتمر، أو في أي إطار آخر لمفاوضات السلام. وفي حين رفضت الصين الحضور بغياب روسيا، فإن البرازيل وجنوب أفريقيا اقتصر تمثيلهما على مبعوثين فقط، فيما تمثلت الهند على المستوى الوزاري، وذلك حسب "وكالة الصحافة الفرنسية". وهذه الدول الأربعة تشكل مع روسيا تكتل "البريكس" السياسي – الاقتصادي، الذي يسعى الى إنهاء الهيمنة الأميركية وعصر القطب الواحد.
امتناع 15 دولة
يعكس البيان الختامي للمؤتمر مدى فشل الغرب في تقويض مكانة روسيا كقوة عالمية، حيث أتى البيان مخيباً لآمال كييف وداعميها ودون المستوى المأمول، تحت تأثير ضغوطات ومداخلات الدول الصديقة، إذ أنه أسقط النقاط الصعبة مثل شكل التسوية، ومسألة انضمام أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي "الناتو" من عدمها.
ومع ذلك، فقد امتنعت 13 دولة عن التوقيع على البيان الختامي، فيما يعد ضربة قاسية لجهود كييف وداعميها، وذلك بسبب اعتراضها على عدد من البنود الإشكالية في البيان الختامي، والذي ركز على "ضرورة مشاركة كل الأطراف من أجل تحقيق السلام"، و"التأكيد على وحدة الأراضي الأوكرانية وعدم استخدام الأمن الغذائي سلاحاً". في الأصل فإن البند الأخير يعد موجهاً الى أوروبا التي أسهمت بتعطيل اتفاقية شحن الحبوب السابقة، وقامت دولها باحتكار صادرات أوكرانيا من هذه المادة الاساسية والحيوية وحرمان الدول النامية وتلك الأكثر حاجة وفقراً منها.
اللافت أن الدول التي رفضت التوقيع على البيان الختامي، وعدا عن كونها ترتبط بعلاقات وثيقة مع موسكو، فإن 6 منها تنتمي الى مجموعة العشرين "G20"، التي تضم أهم القوى الاقتصادية في العالم، وهي السعودية والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا والهند وأندونيسيا. بالإضافة الى دول أرمينيا وليبيا والبحرين والإمارات العربية المتحدة وتايلاند وكولومبيا والفاتيكان. كما أن الأردن والعراق عادا وسحبا توقيعهما، ليصبح عدد الرافضين 15، بينهم 6 دول عربية.
وفي حين أكدت قطر، التي وقعت البيان، على لسان رئيس وزرائها ووزير خارجيتها، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على ضرورة مشاركة موسكو من أجل التوصل الى سلام حقيقي، فإن المغرب امتنعت عن حضور هذا المؤتمر، كما غابت في مؤتمر سابق لدعم أوكرانيا أيضاً، تماشياً مع دبلوماسية الحياد التي تتبعها إزاء الصراع.
أهمية الدور السعودي
أما السعودية التي شاركت "انطلاقاً من التزامها بدعم كافة الجهود الرامية الى إنهاء هذا الصراع وتحقيق سلام عادل وأمن مستدام"، حسبما أشار رئيس الوفد السعودي وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في كلمته خلال القمة، وأعاد التذكير بجهود المملكة في تبادل مئات السجناء، وأكد بأن "أي محادثات سلام ذات مصداقية بشأن الحرب في أوكرانيا ستحتاج الى مشاركة روسيا".
الى ذلك، قال رئيس قسم الأمن الدولي بوزارة الخارجية السويسرية، غابرييل لوشتينغر، في تصريحات صحفية أن "المؤتمر المقبل بشأن أوكرانيا قد يعقد في السعودية، وبمشاركة روسيا". ويتسق هذا التصريح مع ما ذكرته وكالة "بلومبرغ" أواخر أيار (مايو) الماضي بأن "الاتحاد الأوروبي مهتم بالانتقال من قمة سويسرا حول أوكرانيا الى اجتماع محتمل في المملكة العربية السعودية في الخريف بمشاركة روسيا".
والحال أن السعودية بما تتمتع به من ثقل سياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، وما تتميز به سياستها الخارجية الهادئة من نهج تكاملي يراعي التوازنات الدولية، ويلتزم الحياد الإيجابي إزاء الصراع في أوكرانيا، فإنها تبدو المرشحة الأفضل للقيام بوساطة ناجحة تمهد الطريق نحو سلام جدي يضمن حقوق جميع الأطراف المعنية، ولا سيما أنها تواصل توطيد علاقاتها مع موسكو، بالتوازي مع كل الأطراف الدولية الأخرى. وذلك على النقيض من الغرب الذي يريد إبرام تسوية متحيزة على حساب موسكو، يضمن بها تحقيق ما لم يستطع تحقيقه في الميدان.
فهل نشهد انعقاد نسخة ثانية من مؤتمر السلام في الرياض؟ الأمر مرهون بوجود إرادة جدية لدى الغرب لإنهاء الصراع، وهو ما لا يبدو متوفراً على الأقل حتى الآن. ولذلك لم تقم أي دولة، بما فيها السعودية، بإبداء رغبتها باستضافة المؤتمر بنسخته الثانية.