: آخر تحديث

أزمة النظام العراقي من القومي إلى الطائفي!؟

58
54
49

تعمل الدول، "صغيرها وكبيرها" على حفظ سيادتها وحماية وجودها وكسب مساحة مناسبة لحضورها في المسرح الدولي، وبذلك فإنها تُكرس جميع عناصر القوة التي تمتلكها من ثروات وموقع جيوسياسي إلى قدرات عسكرية وموارد بشرية وقرار سياسي ينسجم مع مصالحها. كذلك في بناء علاقاتها الدولية، فإن الدافع الأساسي لتلك العلاقات يكمن في التفاعل الإيجابي وتبادل المصالح التي لن تتعارض مع سيادة الدولة وأمنها واستقلال قرارها عن التأثيرات الخارجية، وهي بذلك تقدم مصلحة الدولة وتبتعد عن المزاج السياسي الشخصي أو العاطفي في العلاقات الدولية.

أزمة العقل السياسي الحاكم في العراق خلال الخمسين سنة الماضية، جعلته يبتعد عن تلك المعادلات الكفيلة ببناء الدولة القوية القادرة على حماية شعبها وثرواتها وسيادتها، والإشكالية المركزية تتمثل بكون العقل السياسي الذي يدير الحُكم في العراق يخضع لفكرة الأيديولوجيا، وليس لفكرة الدولة وقوانين وجودها وشروط قوتها وصلابة عناصرها الداخلية، لهذا تجده يقدم مصلحة الأيديولوجيا سواء القومية أو الطائفية لاحقاً على مصالح الدولة وحماية وقوة وجودها وسيادتها.

انطلاقاً مما تقدم فإنَّ العراق دخل معركة ضد إيران لثمان سنوات تحت فكرة الدفاع عن الأمة العربية وكان العراق حارساً للبوابة الشرقية، كما درج الإعلام القومي على توصيفه إبان حكم حزب البعث، بينما كانت أنظمة عربية معروفة بانتمائها الأيديولوجي العروبي والاشتراكي مثل سوريا وليبيا والجزائر كانت تدعم إيران بالسلاح والإعلام والموقف السياسي! وهنا تكمن المفارقة التي نجدها تتكرر الآن بعد عشرين سنة من إسقاط نظام صدام من قبل الولايات المتحدة الأميركية، فاليوم يجد النظام السياسي العراقي في وضع مهدد بالسقوط من قبل القوات الأميركية، بسبب دفاعه عن إيران وانخراط عشرات الفصائل الولائية في الدفاع عن مشاريع إيران السياسية وضرب المصالح والقواعد الأميركية، تاركة ورائها مصالح العراق وسيادته، وباختصار فإن الدافع لهذه المواقف يأتي من الترابط الطائفي لعدد من الأحزاب الشيعية الحاكمة مع إيران، أي تقديم مصالح إيران على حساب مصالح الدولة العراقية واستقرارها وقوتها، في وقت تعتمد فيه إيران على حماية وجودها ومصالحها وتقوية نفوذها في المحيط الإقليمي بتكلفة قليلة تتمثل بوجود أذرع طائفية -عقائدية تهدد بها من يخالف مشاريعها القومية وأهدافها دون أن تظهر نفسها مسؤولة عما يحدث.

كان الشعب العراقي يعاني من الحصار والحروب التي دخلها الدكتاتور "القومي" تحت عناوين قومية وإنسانية وتحرير فلسطين، بعد عقدين من سقوط النظام الدكتاتوري القومي ينهض الدكتاتور "الإسلاموي" ويعيد ذات الشعارات بتحرير فلسطين وعناوين إنسانية وقومية، ليضع العراق مرة أخرى بموقف عدائي ضد أميركا وبمواجهة صعبة للغاية مع تهديدات أمريكية عسكرية وحصار اقتصادي، وعزلة دولية جديدة تستنزف الأرواح والثروات وتجهز تماماً على ما تبقى من العراق الاجتماعي والثقافي والأخلاقي.

إقرأ أيضاً: العراق: قصف أميركي والخطر يتفاقم!

التهديد الأميركي بتوجيه ضربات للفصائل الولائية في العراق وسوريا وضرب مواقع داخل إيران، دفع إيران لإعلان براءتها من أفعال الفصائل في التعرض للمصالح الأمريكية، وقامت بسحب ضباطها ومستشاريها من سوريا كذلك قامت الفصائل العراقية بإخلاء مواقعها ومقارها وتجميد أنشطتها، وإعلان تعليق أنشطتها ضد القوات الأمريكية حتى إذا قامت الأخيرة بقصفها ! الأمر الذي جعل حكومة السوداني تتنفس الصعداء، بعد فشل منهجها التوفيقي للجمع بين الرغبة الإيرانية والمصالح الأمريكية، لكن رسائل التهديد الأمريكي بلهجتها الشديدة وتهديدها المباشر بعمل عسكري واقتصادي ينتهي بإسقاط حكومته، جاءته كخشبة إنقاذ وسط بحر الهيجان الولائي الذي هدأ فجأة وانسحب لأعماقه.

إقرأ أيضاًهل يسرقون المطر الإيراني؟

وقت نشر المقال تكون الصواريخ الأميركية قد حددت أهدافها في العراق وسوريا وربما تكون قد دكت المواقع التابعة لإيران، خلال ذلك لا يشعر المواطن العراقي سوى بمشاعر الأسير لإرادة عقل سياسي حاكم ومأزوم يتلاعب بأرواح الناس وحقوقهم ومصالحهم دون اكتراث لقيم المواطنة والشرعية والقانونية، ومايزيد بؤسهم وشعورهم بالضياع هو أن مايحدث في اليوم التالي لهذا القصف والخسائر الناتجة عنه، لا رادع أو محاسبة للطبقة السياسية الحاكمة، وهي تكرر لعبة ضياع الوطن التي مارسها الدكتاتور السابق. وما أشبه اليوم بالبارحة!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.