تدخل الكويت فصلا برلمانياً وحكومياً مجهول الملامح، بعد صدور الأمر الأميري بحل مجلس الأمة 2023 يوم الخميس 15 شباط (فبراير) بسبب "تجاوز الثوابت الدستورية وتعمد استخدام العبارات غير المنضبطة".
بصرف النظر عن امتداد الجدل إلى جوانب دستورية قابلة للاجتهاد والتأويل والتفسير غير الدقيق، فمضابط مجلس الأمة تعتبر وثائق تاريخية لا يجوز العبث فيها ولا بتر عباراتها إلا في حالة السب والقذف والالفاظ البذيئة وغير ذلك وجب التوثيق من اجل التاريخ وليس افراد.
الحكومة لم تتعامل مع جلسة التصويت على المضبطة وقبلها بشكل سياسي حصيف وفقا للائحة والدستور، بدلا من اللوذ بالصمت والتنازل عن الحق في الاعتراض والتعبير عن الرأي أو الانسحاب من الجلسة وهو أمر يسجل ضد وزراء حكومة الشيخ محمد صباح السالم.
الشيخ محمد صباح السالم رئيس الوزراء بدا متواضع القيادة منذ توليه رئاسة الحكومة بأقل من شهر والافراط في الحديث عن "نفسه وتاريخه"، في حين ناقض نفسه بنفسه وبسرعة فائقة لأسباب سياسية لعل أبرزها طبيعة التشكيل الوزاري المتسرع وغير المتناغم!
الشيخ محمد صباح السالم، رئيس الوزراء، عالج الخطأ والتقصير السياسي والحكومي بخطيئة ارتكبها شخصياً حين تبرع بإبلاغ رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون عن عزم حضور الحكومة حضور جلسات المجلس في شهر مارس، في حين جاء حل مجلس الأمة بعد فترة خاطفة!
معروف عن الشيخ محمد صباح السالم نزعاته في الكلام المنمق والمفرط بالثقة والتعبير وعن حالة مفرطة بالوهم السياسي بقدراته وامكانياته، وهو ربما ما جعله يسقط في أول اختبار له كرئيس وزراء بسبب طغيان ثقافة ديبلوماسية وليس سياسية!
تناول الشيخ محمد صباح السالم في كتابه إلى سمو الأمير عن "استنكار" الشعب لما ورد في جلسة 7 فبراير بمجلس الأمة، والسؤال المهم والأهم كيف استطاعت الحكومة من قياس ورصد اتجاهات الرأي العام، الشعب، بسرعة لافتة دون الإفصاح عن الأدوات العلمية والوسائل ضمن ظرف زمني ضيق للغاية؟!
لم يبرهن التاريخ على نجاح تجربة حكومية واحدة على رصد وقياس اتجاهات الرأي العام، ولذلك الفجوة بين دوائر صناعة القرار الحكومي والشعب كبيرة جداً ولا يوجد اساساً نوافذ تواصل فعالة وعلمية وهو ليس سراً.
اختار الشيخ محمد صباح السالم في كتابه عن "تجاوز الثوابت الدستورية وتعمد استخدام العبارات غير المنضبطة"، دون تحديد المادة الدستورية المقصودة ومصدر عدم الانضباط، فالثوابت الدستورية هي مجموعة نصوص ومواد وليست مسألة لغوية وتعبير إنشائي، فالتاريخ لا يوثق على أساس "ثوابت" مبهمة وغامضة!
نختلف مع توجهات واهتمامات معظم نواب الأمة في مجلس 2023 والميول إلى ربط الشريعة الإسلامية في مشاريع ومقترحات قوانين اقتصادية وتنموية، إلا أن تلك العثرات والتحفظات لا تبرر تبني موقفاً ضد الدستور ودور المؤسسة التشريعية.
الكويت بحاجة إلى عملية انتشال وطني من تراجع سياسي واقتصادي مفزع، فالدستور ليس ترفاً سياسياً واجتماعياً ولا تجربة الديمقراطية مصدر التخلف والتراجع، فالأسباب متغيرة ولكن المصدر ظل ثابتاً!
التعايش مع الديمقراطية يحتم على الحكومة باعتبارها الجهة التنفيذية تبني مشروعاً تعليمياً وثقافياً لنشر الثقافة السياسية وترسيخ جذروها خصوصاً في أجهزة الحكومة ومجلس الأمة ومؤسسات المجتمع المدني وبين أطياف وشرائح المجتمع الكويتي.
لعلنا لا نبالغ ولا نتجنى بالرأي أن ثمة عوامل كثيرة وعديدة لا زالت تعصف بالديمقراطية الدستورية في الكويت لأسباب سياسية مفتعلة وربما متعمدة، فالثقة مفقودة بين السلطة الحكومية والشعب خصوصاً في ضوء هزات سياسية متسارعة ومتراكمة!
الكويت فقدت هويتها الوطنية والثقافية منذ عقود تعود إلى السبعينات والثمانينات والتسعينات وحتى اليوم، والسلطة الحكومية الممتدة تتحمل وزر افعالها وقراراتها وسياستها الخاطئة وليس الدستور والمؤسسة الدستورية.
النظام السياسي الكويتي قائم على دستور واضح في النصوص والمواد، ولا نتمنى أن تبحر الكويت في العام 2024 نحو المجهول السياسي في نظامها الديمقراطي، فالتاريخ لا يروى من جديد ولا يصنع وفقاً لأهواء فردية وتطلعات أنانية.
نأمل أن يكون أول المستفيدين من الأخطاء الحكومية والسياسية الحديثة رئيس الحكومة الشيخ محمد صباح السالم وعدم التسرع في التصريح والتلميح دون إدراك التبعات البرلمانية ولا طبيعة التحديات السياسية الراهنة.
*إعلامي كويتي