هل حقاً انتهى زمن الكبار، أو القوى التقليدية، في السياسة والاقتصاد وكذلك في كرة القدم؟ وهل من عامل مشترك يجعل تراجع الكبار مدوياً، وتقدم الصغار ملفتاً؟ بالطبع لا يمكن القول إنَّ زمن الكبار قد انتهى، ولكن وبكل ثقة يمكننا القول إنَّ انفراد الكبار بكل شئ لم يعد واقعاً كما كان.
بعيداً عن متاهات السياسة، ومقدرة روسيا على الوقوف في وجه الغرب خلال أزمتها الأخيرة مع أوكرانيا، وبمنأى عن الاقتصاد بصعود قوى جديدة مثل الهند وغيرها على حساب عمالقة تسيدوا العالم لعقود من الزمن، فإننا بصدد تناول ما يتعلق بعالم كرة القدم، ووصول تلك الثورة في التغيير إلى هذا العالم المثير.
في بطولتي أمم آسيا وأمم أفريقيا لكرة القدم، في قطر وكوت ديفوار بما لهما من سحر كروي خاص يجذب الملايين في قارتي آسيا وأفريقيا هذه الأيام، بدا لنا أن تجمد الكبار، وتقدم الصغار يشكل ظاهرة لا يمكن لمتابع أن يخطئها في البطولتين.
تونس والجزائر ثم مصر والمغرب منتخبات من العيار الثقيل، ولكنها جميعها ودعت التحدي الأفريقي مبكراً لمصلحة كيانات كروية أقل خبرة وتصنيفاً، وكانت مفاجأة خروج المنتخب المغربي أمام جنوب أفريقيا مدوية، خصوصاً أنَّ أسود أطلس هم رابع العالم، والوجه العربي والأفريقي الأكثر تألقاً في مونديال قطر 2022، وتوهجت منتخبات لم يكن لها مكان على خريطة الكرة الأفريقية، مثل كاب فيردي وناميبيا وغينيا وغيرها.
وفي آسيا تتواصل المفاجآت، بوداع اليابان "المرشح الأول للقب" أمام إيران، والمفاجأة الأكبر هي تقدم الأردن وصولاً للدور قبل النهائي للمرة الأولى في تاريخ الكرة الأردنية، وشهدت البطولة مفاجآت عدة، والشاهد في الأمر أنَّ الكيانات الكروية الصغيرة تتقدم بكل جرأة، والمنتخبات الكبرى لم تحرك ساكناً، مكتفية بالدهشة هي وجماهيرها وإعلامها.
إقرأ أيضاً: بنت القهر لوسيا السورية
ماذا يحدث؟ لا أريد في هذا المقام التحدث عن أسباب كروية وتكتيكية لتراجع الكبار وتقدم وتطور الصغار، بل أود الإشارة إلى أن تراجع حالة الانبهار بقوة القوى التقليدية سياسياً واقتصادياً، بل وحتى ثقافياً وحضارياً، أصبحت حالة حاضرة في عقل وقلب شباب العالم خلال السنوات الأخيرة، مما جعلها تنتقل إلى كافة نواحي الحياة، ومن بينها المنافسات الرياضية.
شباب الوقت الراهن يعيشون في عالم السوشيال ميديا طوال الوقت، مما جعلهم أكثر مقدرة على التواصل مع العالم، وتراجعت لديهم مشاعر الانبهار بالآخر، والتي كانت تعيشها أجيال سابقة، مما جعل الجميع في حالة أقرب إلى الثورة، وهي ثورة تعززها ثقة في النفس، ورغبة في تحدي الآخر، وليس الإكتفاء بمشاعر الإعجاب والإنبهار.
إقرأ أيضاً: تذكرة ذهبية للمستقبل
قد يبدو الربط بعالم كرة القدم غريباً للبعض، ولكن من يدقق النظر سوف يكتشف أنَّ شباب العالم أصبحوا يتحدثون لغة واحدة، ويجمعهم "ترند" واحد، ويأسرهم نجم بعينه، وتجتاحهم موضات واحدة، ويقربهم إلى حد الالتصاق عالم واحد، مما جعل الفوارق تتلاشى، والانبهار بالآخر يتراجع.