ليس في السياسة ضحك، وإن كان جلها مثير للسخرية، وتحديداً سياسة الولايات المتحدة بالمنطقة تجاه إيران وميلشياتها. وأبسط مثال هنا كيف رفعت واشنطن الحوثيين من قوائم الإرهاب لتعود لقصف زوارقهم بالبحر الأحمر بسبب مكافحة الإرهاب.
والأمر لا يقف عند هذا الحد، حيث اكتشفت، مؤخراً، صحيفة الواشنطن بوست، وبإنجاز عظيم، وأقولها ساخراً، أن جميع الميلشيات بالمنطقة تعمل لخدمة الاستراتيجية الإيرانية.
الآن الواشنطن بوست، مثلاً، وبعد تحول الموقف الأميركي، أصبحت تتحدث عن الحوثي "المدعوم" إيرانياً، وهي الصحيفة التي سمحت لمحمد علي الحوثي بكتابة مقال رأي بنوفمبر 2018 بعنوان جاء فيه: "نحن نريد السلام"!
الآن اكتشفت الصحيفة، ومن خلال تحقيق مطول، ومثلها الإدارة الأميركية، عن أي سلام كان الحوثي يتحدث، خصوصًا أن الصحيفة تنقل عن قيادات بالميلشيات قولهم أن هناك معايير تتخذ لتجنب "حرب إقليمية أوسع"، وأن الميليشيات تقوم بمهام "مصممة" لعدم التعارض مع الأهداف الإيرانية.
الآن اكتشفت الواشنطن بوست أن ميلشيات إيران بالمنطقة معنية فقط بخدمة الأهداف الإيرانية، وليس الديموقراطية، وكما كان يروج بحالة "حماس" التي خدعت الجميع بديموقراطية أدت إلى رمي رجل السلطة من أسطح مباني غزة عام 2007.
والآن اكتشفت واشنطن ولندن خدعة الجماعات العراقية المتشددة التي كانت تتحدث عن الديموقراطية قبل سقوط نظام صدام حسين، بينما هم مجرد أتباع غير معنيين بالعراق واستقراره.
ورحم الله الراحل الأمير سعود الفيصل، الذي قال باجتماع حضرته بمنزله بجدة أواخر عام 2002، بعد أن سأله أحد الزملاء: "هل تخشون الديموقراطية"؟ ضحك وقتها الأمير سعود قائلاً: "لا أخشى قبعة جيفرسون، وإنما العمائم"!
وبالفعل، هذا ما قد حدث! والآن فقط يتحدث الأميركيون عن الحوثي المدعوم إيرانياً، والآن يتحدث الإعلام الأميركي عن خطر الميلشيات التي تهدف لخدمة الاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة.
حسنًا، السؤال الآن هو: هل يمكن التعامل مع أذرع الاخطبوط الإيراني فقط للحد من خطورته، وتجنيب المنطقة مزيداً من الأزمات؟ بل قل الحروب، ونحن نتحدث هنا عن حرب غزة التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن العشرين ألف فلسطيني حتى الآن، وأيضًا عن ما يحدث في سوريا ولبنان والعراق؟!
لا أعتقد أن استهداف أذرع الأخطبوط هو الحلّ، بل استهداف الرأس. فطهران لن تتوقف عن العبث بالمنطقة بدون موقف أميركي واضح مفاده إرسال رسالة إلى إيران بأن اللعب مع القوة العظمى مكلف جدًا.
هل تستطيع واشنطن فعل ذلك؟ أو بالأحرى، هل لديها الرغبة، وليس المقدرة، لتضع حدًا لابتزاز عمره عقود من الزمان في منطقتنا؟ أشك بذلك. ولا توجد معطيات إلا بحال أقدمت إسرائيل على عمل ضد طهران.
والأكيد أن الاستراتيجية الأميركية الوحيدة الواضحة بمنطقتنا هي حماية إسرائيل، وليس الاستقرار، ورعاية السلام. كما أن استراتيجية إيران الواضحة بمنطقتنا هي زعزعة الاستقرار والتمدد عبر الميلشيات، والخط الأحمر الوحيد أمامها هو إسرائيل.
لذلك أذرع الأخطبوط باقية ما لم يخطئ بالحسابات مع إسرائيل، وهو امر وارد عطفًا على ما نراه بالمنطقة الآن، ورغبة نتنياهو الجامحة في إطالة أمد حياته السياسية.