إيلاف: قد يستغرق الكثيرون وقتاً للإقدام على خطوة بحجم تغيير محافظ البنك المركزي لدولة تتشابك فيها أسباب الازمات وتصطدم الحلول بتعقيدات مشهد سياسي واقتصادي واقليمي صاخب.
لكن قرار رئيس الوزراء العراقي باعفاء محافظ البنك المركزي من منصبه يعكس رغبة شرسة في مواجهة ازمة الدولار والبحث عن حلول منجزة غير مرتبطة بتحالفات ولا تبعات سياسية وانما إصرار على عودة الدينار لسابق سعر صرفه دون إبطاء، وليس ادل على صحة ذلك من اجتماعه مع ائتلاف إدارة الدولة بعد اتخاذ القرار وليس قبله. وبه يثبت السوداني مرة أخرى انه لا يتردد في اتخاذ قرارات صعبة في أوقات حرجة طالما كانت المحاولة صادقة وجادة في الإصلاح.
وكعادة الاقتصاد دوما في تأثره إيجاباً وسلباً بالقرارات الحكومية، انخفض سعر الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي للمرة الأولى منذ أسابيع على خلفية تسمية على محسن العلاق محافظاً للبنك المركزي العراقي خلفاً لمصطفى غالب مخيف الذي أعفاه السوداني على إثر أزمة سعر الصرف المستعرة منذ أسابيع.
ويشغل علي محسن العلاق كرسي محافظ البنك المركزي للمرة الثانية بعدان تولى نفس المنصب في الفترة من 2014 وحتى 2020.
وبالرغم من ان الانخفاض كان طفيفاً، الا انه يعكس بالضرورة تعطش الداخل الاقتصادي العراقي لخبر إيجابي وسط الانهيار غير المبرر لقيمةالدينار العراقي مقابل الدولار.
أبعاد الأزمة الحقيقية
وتؤكد تصريحات رئيس الوزراء العراقي ان ليس ثمة سبب منطقي وراء ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار .
"كنا نبيع 300 مليون دولار في اليوم الواحد، وكل الاقتصاديين والمختصين يقفون عاجزين عن تفسير ما الذي يستورده العراق، حتى يبيع يوميا بهذا الرقم. ما المواد التي تدخل إلى السوق العراقية كي نحول هذه الأموال )الدولارات( إلى شركات ومصارف تستخدم أغلبهاالفواتير المزوّرة، لتخرج هذه الكتلة النقدية المهمة خارج العراق؟"
تعكس هذه التصريحات فهم رئيس الوزراء لأبعاد الازمة الحقيقية وهي الفساد الذي وضعه على راس أولوياته منذ اليوم الأول لتوليه المنصب.
كما توضح تصريحاته الخاصة بشبكة الحماية الاجتماعية اللازمة لحمايةالفقراء تقديرا حقيقيا للتحديات التي تمثلها ازمة سعر الصرف على مايقرب من خمسة ملايين من مستحقي الحماية الاجتماعية ومتطلباتها اليومية في وقت يتاجر البعض فيه بأقواتهم ويصنعون ازمة للحفاظ على مكتسباتهم.
فالفساد هو راس الأفعى التي يتعين على المجتمع العراقي التكاتف لاجتثاثها لان الجلوس في مقاعد المتفرجين خلال هذه المواجهة يعد تقاعساً عن أداء واجب وطني تحتمه الظروف والحالة التي يمر بها الاقتصاد العراقي في الوقت الراهن.
اختيار العلاق
ويبدو اختيار العلاق منطقياً لخبرة الرجل السابقة كمحافظ للبنك المركزي لمدة 6 سنوات كاملة فضلاً عن كونه يشغل منصب محافظ العراق في صندوق النقد الدولي منذ عام 2014، ورئيس مجلس محافظي صندوق النقد العربي منذ 2020، ومحافظ العراق في الصندوق.
لكن الأثر المستدام لهذا القرار سيعتمد في المقام الأول على حزمة من القرارات التي يتعين اتخاذها لضبط سوق الصرف وكبح جماح الارتفاع في سعر الدولار مقابل الدينار. ويبدو من حديث رئيس الوزراء أن هناك قرارات قادمة لضبط الإيقاع وتوفير حماية اجتماعية يستطيع معها الملايين من العراقيين مواجهة ارتفاعات الأسعار الناجمة عن سعر الصرف.
هذه القرارات تستبق زيارة وفد عراقي برئاسة وزير الخارجية الى واشنطن والتي يقول مظهر محمد صالح / المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي إنها ستركز على مسألة دعم الولايات المتحدة للاستقرار النقدي واليات عمل نافذة البنك المركزي وشراء العملة الأجنبية، لكون الموضوع يعد أولوية للشعب العراقي في ضمان استقرار دخله النقديوثروته وامواله المودعة في الاحتياطي الفيدرالي.
الحل بالتكاتف
وحتى تتكامل المنظومة، يجب تشديد الإجراءات بحق من يقومون بتزوير الفواتير وتهريب السلع عبر المنافذ الجمركية بحيث تعمل السياسة النقديةوالإجراءات الرقابية على خط واحد لمواجهة الازمة.
فالعلاق وحده لن يكون بمثابة العصا السحرية لحل المشكلة على المدى الطويل بالرغم من خبرته وحرصه على مواجهتها في هذا التوقيت الصعب وهو ما يحسب له في قبوله للمنصب. ومع هذه المنظومة يجب ان تكون هناك تحركات مع البنوك التي لم تطلها الاتهامات بحيث تسهم في حل الازمة تدريجيا عبر التدقيق في عمليات الاستيراد ومساعدة المستوردين الجادين والشرفاء والتضييق على المتلاعبين المنتفعين منثغرات الفساد.
المهمة التي سوف تواجه العلاق صعبة دونما شك وتتطلب تحركاً سريعاً وتناغماً بين العديد من أجهزة الدولة في ظل قيادة رئيس الوزراء الذيتتسم خطواته بالحسم كلما لاحت ازمة في الأفق او ظهرت بوادرها لتؤثر على حياة العراقيين.
الازمة ستنقشع بتكاتف الجميع داخل أجهزة الدولة والقطاع المصرفي والإصرار على الاصطفاف في مواجهة الفساد الذي يجنى ثمار هذا الارتفاع غير المبرر في سعر الصرف.


