: آخر تحديث

اتفاق الترسيم بعد "النووي"... نصرالله يكرّس هيمنة سلاحه لما بعد كاريش!

58
61
65
مواضيع ذات صلة

في انتظار زيارة جديدة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت في سياق المفاوضات التي يجريها حول الترسيم، يمكن أن نشهد تصعيداً لتحسين الشروط أو للضغط بهدف الوصول إلى اتفاق يحسم الجدل حول الحقول المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.
 
ومع أن أجواء إيجابية طبعت جولة هوكشتاين الأخيرة، إلا أن الوصول إلى تفاهم أو تسوية انطلاقاً من الطلب اللبناني بالخط 23 وحقل قانا كاملاً لا يزال غير متاح، إذ إن إسرائيل لم توافق على طلب لبنان حتى الآن وهي تصر على نيل حصة من البلوك رقم 8. هذا التعقيد يحتاج إلى مزيد من الجولات المكوكية للوسيط الأميركي لمعالجة عدد من النقاط على المستوى التقني، إذ إن الأميركيين يريدون التوصل الى اتفاق لمنع الحرب أو التصعيد الذي ينعكس على المنطقة، وهو النقطة الوحيدة المهمة بالنسبة إليهم، طالما أن تركيزهم الرئيسي هو على الحرب الروسية – الأوكرانية، وعلى منع الصين من التمدد وأيضاً على الملف النووي الإيراني.
 
الأجواء الإيجابية لا تعني أن اتفاق الترسيم قد وصل الى نهايته، فالأمر - إذا بقيت الأمور على هذا النحو الإيجابي - يحتاج إلى أسابيع تتخللها لقاءات ومفاوضات وتصعيد أيضاً، قبل أن توضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق. قبل ذلك لا أهمية كبيرة لاجتماع الرؤساء الثلاثة في توحيد الموقف اللبناني الرسمي أمام هوكشتاين، فهناك "حزب الله" المقرر في هذا الشأن ومنه تُستمد الموافقة اللبنانية على أي اتفاق أو الذهاب إلى الحرب إذا لم تتطابق حساباته مع الموقف اللبناني الرسمي، أو إذا جرى فتح ملف الحدود البرية من منطقة الغجر المتداخلة مع الجولان السوري المحتل إلى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا.
 
الثابت حتى الآن أن الوساطة الأميركية مستمرة، وهذا ما نُقل عن هوكشتاين من أن الأميركيين يريدون التوصل الى اتفاق ومنع أي شكل من التصعيد الذي يؤدي إلى الحرب. وفي المقابل تبدو إسرائيل في وضع لا تريد الذهاب إلى حرب مع لبنان، أقله في المرحلة الراهنة، فهي تسعى إلى استثمار الغاز في حقل كاريش وتصديره إلى أوروبا، لكنها أمام مأزق في إهداء أي اتفاق لـ"حزب الله" الذي سيستثمره كإنجاز له يمكنه من السيطرة ويزيد قوته في المنطقة، ولذا تتعقد الأمور للوصول الى حل للترسيم برفع السقوف لتحسين الشروط التفاوضية قبل التوصل الى اتفاق.
 
يميل الأميركيون في وساطتهم إلى تفهم المطلب اللبناني بالخط 23 وحقل قانا، لكنهم يشددون الضغوط على "حزب الله" من خلال فرض مزيد من العقوبات عليه، ويسعون إلى عدم إعطائه فرصة تحقيق إنجاز في ملف الترسيم. لكن تصعيد الحزب فرض على الأميركيين أيضاً التعجيل في تحركهم للتوصل الى الاتفاق قبل أن تنجر المنطقة الى حرب ليست ضمن الحسابات اليوم. وفي المقابل يتفهم هوكشتاين الذي يؤدي دور الوسيط كمبعوث أميركي في شؤون الطاقة المطلب الإسرائيلي بحصة من البلوك رقم 8 وهو أبلغه للمسؤولين اللبنانيين الذين رفضوه، وبالتالي بقيت هذه النقطة عالقة وقد تفجر المفاوضات ما لم تحل في وقت قريب. ولذا لا يمكن إعادة إحياء المفاوضات في الناقورة وفق ما طلب لبنان، إلا بمعالجة هذه النقطة العالقة، ومنها يمكن العبور إلى توقيع الاتفاق إذا سارت الأمور بلا تصعيد أو تداخلات إقليمية تؤدي إلى نسف الملف من أساسه.
 
وإذا فشلت مهمة هوكشتاين، رغم أن الاجواء حتى الآن لبنانياً وإسرائيلياً لا تشير إلى ذلك، وطالما أن هناك حاجة إسرائيلية إلى اتفاق، وأيضاً لبنانية رسمية لتحقيق إنجاز في نهاية عهد الرئيس ميشال عون، فإن الأمور تذهب إلى مواجهة عسكرية بين لبنان وإسرائيل، وقد تنفجر الحرب، وفقاً لحسابات الأطراف المختلفة.
 
في المقابل، ثمة من يعتقد في ما يعتبر امتداداً للأجواء الإيجابية، أن الاتفاق على الترسيم لن يكون ممكناً قبل الاتفاق النووي، خصوصاً بعد إعادة فتح مسار التفاوض الإيراني – الأميركي غير المباشر في فيينا، الأمر الذي يستبعد الحرب أقله في المرحلة الراهنة. ويتبين أن هناك ضغوطاً دولية، ليس لمنع التصعيد فحسب، إنما أيضاً لتمديد المهل للتوصل إلى اتفاق إلى ما بعد أيلول (سبتمبر) المقبل. تُرجم هذا الضغط أو المساعي في توجه إسرائيل لتأجيل استخراج النفط والغاز من حقل كاريش الذي كان محدداً خلال شهرين، وقد يمتد إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وهو ما يسحب فتيل أي مواجهة بعد تهديدات الأمين العام لـ"حزب الله" ووضعه سقفاً زمنياً حتى أيلول (سبتمبر) المقبل للتوصل الى اتفاق حول الترسيم ومنع إسرائيل من الانتاج من حقل كاريش. وهذا مؤشر على استبعاد الحرب والتصعيد في الأمد القريب.
 
هذه التطورات لا تعني أن منطقة الحدود اللبنانية – الإسرائيلية باتت مستقرة، فأي تغيّر في الوضع الإقليمي والدولي قد يؤدي إلى مفاجآت ليست في الحسبان، خصوصاً إذا عاد الملف النووي إلى الانسداد، وذلك مع أن المناخ الدولي والإقليمي ليس ملائماً لنشوب حرب أو مواجهات عسكرية.
 
أما في حال التوصل إلى اتفاق للترسيم البحري والمتوقع في الخريف المقبل، فإن ذلك لا يعني أن كل الملفات باتت مفتوحة على الحل، فقد تخرج مطالبات متعلقة بالحدود البرية واستعادة ملف مزارع شبعا والنقاط الحدودية المختلف عليها، ما يعزز إمكان حصول مواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل، خصوصاً أن نصرالله تحدث في أكثر من مناسبة عن أن حزبه لا يعترف بحدود، ولديه دور إقليمي لا يقف عند خطوط الترسيم البحري. أما المعادلة التي ستنتج من الترسيم في حال الاتفاق، فهي ستزيد من قوة "حزب الله" وهيمنة سلاحه، وهو الذي يعتبر أن بنيته تحمي الثروات اللبنانية، وأن تراجع إسرائيل وتأجيلها استغلال حقل كاريش هو خضوع لتهديداته.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.