إيلاف من أصيلة: جاء تكريم الروائي والباحث المغربي سعيد بنسعيد العلوي، ضمن خيمة الابداع المنظمة في إطار فعاليات منتدى أصيلة ال44، ليؤكد قيمة المحتفى به، وتنوع وغزارة منجزه الفكري والإبداعي.
المحتفى به سعيد بنسعيد العلوي يتحدث في خيمة الابداع
وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، في ختام فعاليات التكريم، إن الأمر يتعلق، في ما يتعلق بسعيد بنسعيد العلوي، باسم على مسمى: رجل سعيد بعلمه وانصهاره في البحث وتعدد المواهب والتخصصات، إذ قلّ ما يوجد شخص يعنى بهذه القطاعات المعرفية.
وحرص بنسعيد العلوي، في كلمة له بالمناسبة، على شكر المنظمين والمشاركين في ندوة تكريمه، وأثنى على بن عيسى، الذي "رفع ذكر أصيلة عاليا"و"قدم برهانا صادقا على ما في إمكان المجتمع المدني أن يفعله خدمة للمجتمع".
وبخصوص تكريمه، قال إن المشاعر تتداخل في نفسه بغير ترتيب أو نظام، وأن التكريم يمثّل شهادة على مسار ومرحلة. وأضاف، مخاطبا المنظمين والباحثين المشاركين والحضور: "لكم جميعا، شكرا".
وشهدت ندوة التكريم، ضمن فقرة "خيمة الإبداع"، برمجة أربعة جلسات، قدمت خلالها مساهمات علمية رصينة، أحاطت بمنجز المكرم في مختلف تجلياته.
صون الذاكرة
تحدث بن عيسى، في جلسة افتتاح الندوة، عن تكريم بنسعيد العلوي، مشيرا إلى أن الاحتفاء يأتي تقديرا وامتنانا لما راكمه الرجل من أعمال رصينة ساهمت بشكل مباشر في إغناء الثقافة المغربية والعربية على حد سواء، وقال إن الأمر يتعلق بمفكر وباحث ومؤطر ودارس ومحلل ومبدع روائي، جمع بين صفات قل ما اجتمعت في شخصية بعينها.
وأَضاف بن عيسى أن المؤسسة، ورغبة منها في صون ذاكرة الاحتفاء وتوثيق فعالية التكريم، عملت على الإعداد والتنسيق لكتاب جماعي يضم شهادات المشاركين في الندوة، وذلك تخليدا لهذه الذاكرة الثقافية الطيبة وثمرة مجهود مشترك ينم عن ذوق فني وحس وطني.
ووجه بن عيسى تحية للمشاركين على تناولهم أعمال المحتفى به، سواء في انشغاله الفكري والفلسفي والتراثي والسياسي وما أثاره من إشكالات تمس الراهن العربي، ومن قضايا ذات صلة بالحضارة والنهضة والحداثة وغيرها، أو في انجذابه الأدبي إلى عالم الرواية، وما تستدعيه من آفاق فنية وتخيلية، أو من خلال تقديم شهادات حية على مساره الوجداني والإنساني الطافح بالمحبة ونشدان الأمل وكرامة الإنسان.
ومضات من سيرة وازنة
قدم عبد الإله التهاني، الكاتب والإعلامي المغربي ، والمشرف على الندوة، بعض الومضات عن شخصية بنسعيد العلوي، الوازنة، المرموقة والمتميزة، وبعض المعالم البارزة في سيرة هذا العالم الفذ والمفكر الذي ظل مرتبطا بإشكالات الفكر العربي الإسلامي، وقضايا الفكر العربي المعاصر، وقال عنه إنه يستند إلى تكوين متين، واطلاع واسع على نفائس التراث العربي، وما أنتجته الثقافات الإنسانية من معارف. لذلك ظل عقله يجول في عدة حقول، وقلمه يعبر أزمنة المعرفة بأبعادها المتنوعة، قبل أن يضيف إلى كل ذلك كله عطاءه في المجال الفسيح للإبداع الروائي، مستلهما عشقه للتاريخ وأحداثه وأبطاله وشخوصه باحثا في حقل العلوم الإنسانية، حيث اهتم بالإشكاليات والقضايا التي تناولها الفكر العربي بمستوياته الفلسفية والدينية والسياسية منذ نشأته في ماضي الإسلام، وصولا إلى امتداداته في الحاضر.
وأَضاف أن بنسعيد العلوي عرف كيف يوفر لمساره البحثي مسلكا ناظما لكل اجتهاداته، وهو يغوص في دراسة الأطروحات البارزة في التراث، ولا سيما ما اتصل منه بالجانب الفقهي والتاريخي والسياسي. لكنه، بالتوازي، سيظل حاضرا بفكره، في تناول تحديات الحاضر وقضايا النهضة، والخوض في مشكلات التقدم والتنمية، والديمقراطية، والبناء الحضاري الجديد.
ورأى أن هذا الباحث الرصين نجح في أن يؤسس مسلكه الذي تميز به، وتجلى في ما أنجزه حول الفكر السياسي عند الماوردي، وحول الخطاب الأشعري، وهما معا من أعماله الرائدة في دراسة العقل العربي الإسلامي. وفي مستوى آخر، أولى اهتماما خاصا بتنظيرات النخبة المغربية الحديثة بشأن مشروع النهضة ومسيرة الإصلاح وقضايا التجديد، تشهد على ذلك تآليفه المتسمة بعمق النظر ورصين معرفي هائل.وأشار التهاني إلى أن بنسعيد أغنى الخزانة العربية والمغربية بسلسلة متميزة من التآليف التي أسست لمسالك جديدة في النظر إلى التراث الفلسفي والفكري في الثقافة العربية والإسلامية، وأيضا في النظر إلى إشكالات الحاضر وكيفية إعادة البناء الحضاري الجديد للأمة في الوضع الراهن ومآلات أحوالها في المستقبل، أضاف إليها في مرحلة لاحقة سلسلة إنتاجات روائية حين دخل تجربة الكتابة الأدبية من خلال إبداع في الصنف الأدبي الروائي الذي كان تعلقه به قديما وظل قارئا بنهم وبشغف كبير لنصوص روائية، عربية وأجنبية، قبل أن ينطلق صبيب عطائه الروائي متدفقا منذ روايته الأولى "مسلك الليل".
المحتفى به سعيد بنسعيد العلوي
بنسعيد العلوي وصورة الآخر
ركز عبد السلام بنعبد العالي، المفكر والباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، على "كتيب عزيز عليه "من بين كتابات بنسعيد العلوي، هو "صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية"، الذي يتضمن نصوصا هي عبارة عن عشر رحلات تربط بينها جملة من الخصائص، تمت كلها خلال قرن ونصف، كان حاسما في تاريخ كل من العرب والغرب.
وقال بنعبد العالي إن المؤلف يتعامل مع هذه الرحلات من حيث إن الرحلة، كما يقول كاتبه، إنباء عن نية الرحالة وتصوير لمكونات الوعي الثقافي أكثر مما هو حديث عن البلد، موضع المشاهدة. كما يؤكد اختلاف رحلات العرب قبل بداية القرن التاسع عشر عن سابقاتها، فبينما كنا معتادين على حديث يكون القصد منه الإمتاع وذكر العجيب والغريب، أصبحنا نجد عند رفاعة رافع الطهطاوي ومحمد الصفار التطواني حديثا يطفح من جهة أولى بالإعجاب الشديد بما يلاحظه العقل من أسباب القوة والتقدم، ونلمس من جهة ثانية دعوة إلى وجوب الاقتباس عن الغرب والأخذ بما عنده.
وأضاف أن الرحالة المسلم كان يرحل في السابق من أجل السياحة وطلبا للمتعة، وكان الإحساس بالرضى والتفوق يلازمه، أما في الرحلة العربية المعاصرة فلم تكن الوجهة وحدها التي تغيرت إذ صارت بلاد أوروبا والغرب، بل إن الباعث على الرحلة وشعور الرحلة قد تغيرا، مع قلق ورغبة في إدراك بعض ما يجده الرحالة عند الآخر، وقد فاجأه ذلك الآخر في أرضه وبلاده غازيا مستعمرا، لا يمتلك أسباب القوة والمتع المادية فحسب، بل إنه يتوفر على أس المعرفة والعلم الحديثين.
جانب من فعاليات خيمة الابداع
العفة وأخواتها
تحدث كمال عبد اللطيف، المفكر والباحث في الفلسفة والفكر المعاصر، في كلمة ألقها بالنيابة عنه الشاعر والناقد أحمد زنيبر، عن معرفته بالمحتفى به ووشائج القربي بينهما، وذلك في ورقة حملت عنوان "سعيد بنسعيد العلوي .. خمسة عقود من العطاء بسخاء". وقال إن اختلافهما المعلن في كثير من القضايا عزز وشائج القربى ودوائر الوصل بينهما، حيث "يرى الواحد منا في الآخر نفسه، وهو ليس كذلك". وأضاف أن بنسعيد العلوي يمتلك فضيلة نادرة تتجلى في "العفة وأخواتها"، قبل أن يشيد بعدد من مناقبه، كباحث، التزم بمقومات البحث العلمي، فضلا عن شغفه بالرواية، المعبرة عن حساسيته الفنية الجمالية، كاشفة صورة عن سخائه وعطائه الثقافي المتجدد والمتنوع. ورأى أنه يحمل في كثير من صور حضوره الجميل جوانب من شخصية البطل الروائي، فهو يفاجئك أحيانا بمواقف وسلوكات، بل خيارات لا تخطر ببال أقرب المقربين منه.
تأويل التاريخ
انصرف أحمد المديني، الأديب والروائي، إلى "تأويل التاريخ ومحتمل الرواية"، مركزا على رواية "سبع ليال وثمانية أيام" للمحتفى به.
وقال المديني إنه اختار الروائي في تجربة هذا الرجل متعدد المواقع، لأن الرواية قادرة على أن تجمع التاريخ، وأدواته السرد، وحصاد الفكر، أي المعنى والدلالة، كما تتميز بفنها الخاص.
ورأى أن بنسعيد العلوي هو من الموسوعيين النادرين في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة، اقتحم ميدان السرد التخييلي، الذي أراد أن يصب في قالبه شجونه ويشخص عوالمه، فتأتي ذات مرجعين: التاريخ مسرودا بوقائع محددة والتخييل. وتساءل: في رواية، التاريخ إطارها وسندها، ما الذي ينبغي ويجدر بنا اعتماده؟ سيرتها؟ تاريخيتها؟ أم القصة المدرجة في إطار التاريخ؟ ولأي شيء نحتكم، لفرز العناصر والمادة التاريخية والسند، أم للأخرى التخييلية الناهضة عليها وضمنها؟
وخلص المديني إلى أننا نكون في تجربة بنسعيد العلوي أمام ثلاث تيمات ومحاور تجمع بين الفكر والتاريخ والأهواء، مشيرا إلى أن روايته تكتب فن التهجين، وهذا هو النسق الذي فيه ثقافتنا وإبداعنا وواقعنا.
أحمد المديني وأحمد زنيبر في خيمة الابداع
تراكم الفنون
تحدثت حورية الخمليشي، الناقدة ودارسة الأدب، في بداية مداخلتها، تحت عنوان "تراكم الفنون في رواية "حبس قارة""، عن الرواية التي لم تعد تلتزم بالحدود التي سنتها النظرية الأدبية، بل أضحت أكثر انفتاحا على أجناس أدبية مختلفة، وعلى أنماط الفنون البصرية، من تشكيل وسينما ومسرح وموسيقى وغيرها.
ورأت الخمليشي أن الانشغالات الروائية لبنسعيد العلوي تتميز بتعالقات التاريخي والفكري والفني والانفتاح على الآخر المختلف، حيث تستدعي نصوصه العديد من الأسئلة المعرفية، ما يعني أن اللقاء مع رواياته هو لقاء مع أسئلة الفكر والتاريخ والسياسة والفن؛ لتخلص إلى أن رواية "حبس قارة" تمتاز بانفتاحها على أنماط الفنون والسرد، كما تمتاز بانفتاحها على العالم.
وهم التاريخ
تطرق سعيد بنكراد، الناقد والمترجم والباحث في سيمائيات الأنساق الثقافية، إلى "وهم التاريخ وحقيقة التاريخ في "حبس قارة""، مشيرا إلى أن الزمنية ليست مودعة في ما تقوله الوثائق دائما، إذ أنها تنتشر أيضا في ما ترويه العجائز ويبنى في الأساطير والحكايات أو يصاغ في شكل استعارات وجودية تعشش في الأهواء. ورأى أن كثيرا من حقائق الوجود لا يمكن أن تصبح معروفة إلا عندما توضع في المتخيل والموحى به، مستحضرا في هذا السياق كلاما يرى أن أكاذيب الروائيين قد تكون أكثر صدقا، وربما أكثر تأثيرا من حقائق الفلاسفة والمؤرخين.
خيارات إبستيمولوجية
قدم عياد أبلال، الباحث في السوسيولوجيا وأنتروبولوجيا المعرفة، خطوطا عريضة لمشروع بنسعيد العلوي، الذي قال عنه إنه "جميل تفكير وكتابة، وفي حسه الإنساني الرفيع". وتساءل: "لماذا أعتبر سعيد بنسعيد مفكرا كبيرا؟"، ليجيب بثلاثة اعتبارات أساسية، تحدث خلالها عن رغبته في دراسة الماضي والانطلاق منه لتأسيس معرفة بماض فلسفي يربط الحاضر بالمستقبل على أساس ما تم تأسيسه في الماضي من أفكار ورؤى فلسفية؛ فضلا اشتغاله بمنظار إبستيمي ( معرفي) محدد، إذ أنه، كغيره من المفكرين الكبار، أخذ موقعه الفكري من خلال النقد الفلسفي، فلم يسمح للنظام الوضعي أن يستوعبه خاصة تأسيسه على فصل الدين عن الدولة، الجسد عن الروح، الدين عن الأخلاق، الفلسفة عن العلوم الاجتماعية.
كما تحدث أبلال عن خيارات بنسعيد العلوي الإبستمولوجية، مشيرا إلى أنه لا يشيد كونه الفكري من فراغ، إذ يؤسس رهاناته الفكرية على قاعدة التلاقح ما بين النظام المعرفي الذي ينتمي إليه وخياراته الإبستيمولوجية التي تأتي على أساس قراءاته المتعددة للفكر العربي والغربي على حد سواء.
جانب من الجلسة الاولى لخيمة الابداع التي احتفت بالروائي والباحث سعيد بن سعيد العلوي
الدين والسياسة
خلال الجلسة الثانية، قال مسيرها التهاني إن الذاكرة الثقافية المغربية ستحتفظ لبنسعيد العلوي بآرائه وتوصيفاته التي تعكس فهمه للتراث العربي الإسلامي، لا يضاهيه إلا استيعابه العميق لمفاهيم الفكر الغربي، وهو ما أهله لأن يدرك وينفذ إلى طبيعة البنية التي تؤطر عقل كل منهما، من حيث المرجعيات والمحددات المعرفية، ومن ذلك، مثلا، أنه يميز جيدا بين المفاهيم والمصطلحات، من قبيل اعتبار مصطلح "التجديد" مفهوما إسلاميا، و"التحديث" مفهوما غربيا ارتبط بالغرب تاريخا ونشأة.
وأَضاف التهاني أن بنسعيد العلوي يرى أن هناك إشكالات لا تزال عالقة في الوطن العربي والإسلامي، وتحتاج إلى أجوبة حاسمة، من قبيل العلاقة التي يجب أن تكون بين الدين والعلم، والعلم والسياسة. وبنفس هذه الرؤية النقدية، ظل يعتبر أن الدين قضية مقدسة، بينما السياسة صراع برامج وأفكار.
وعي روائي
تحدث الروائي مبارك ربيع عن "الوعي الروائي والتخييل المجتمعي في تجربة سعيد بنسعيد العلوي"، منطلقا في ذلك من سؤال "من يكتب الرواية؟"، ليجيب بأن كل من يملك القدرة على كتابة الرواية بإمكانه القيام بذلك.
وتناول ربيع أعمال بنسعيد العلوي، مشيرا إلى أن فيها تقاطعا بين فصول بعناوينها وأخرى بأرقام، مع عتبات ذات طابع تاريخي، المقصود بها إشعار القارئ بنوع من المصداقية. كما توقف عند قضية الجمالية، التي تتميز في محاورة الفنون التشكيلية، حيث تكون اللوحة مدار الحديث في الرواية. وتطرق إلى التحليل المجتمعي ولعبة المرآة، وكيف يرى السارد الذات المجتمعية، مشيرا إلى أن الروائي ليس همه أن يقول لا الأحداث أو الأشخاص بل أن يجعلها متحركة وحية أمامنا، وأن هذا بالفعل ما نجده عند بنسعيد العلوي.
الذاكرة والمعرفة
تحت عنوان "الذاكرة والمعرفة في روايات سعيد بنسعيد العلوي"، استعرض الروائي والباحث شعيب حليفي ملاحظات حول مجموع الأعمال الروائية للمحتفى به.
وقال حليفي إن الذاكرة ليست إلا شكلا من البناء السردي لأحداث كثيرة بتأويلات متفق عليها أو مختلف حولها، والرواية تضطلع بوظيفة جمالية رئيسية، من دون أن تخفي وظائفها الأخرى، باعتبارها اليوم الأقدر على طرح الأسئلة الكبرى، الأشد تعقيدا والتباسا والشكل في الأجوبة والاحتمالات والقيام بمراجعات في التاريخ وفي الأفكار، كما تعيد الاعتبار للمقصي والمنسي. كما أنها تسهم في إنتاج معرفة جديدة حول الذات والتاريخ والمجتمع.
ورأى حليفي أن نصوص بنسعيد العلوي تصوغ إشكالياتها انطلاقا من أسئلة حول المعرفة والتاريخ وجماليات التخييل، انطلاقا من مرجعية تملكها وأسس لها دراساته الأكاديمية في مراودة حقائق وتنظيم حوار بين ذاكرة الماضي وذاكرة الحاضر بما يحملان من معارف وهواجس.
وتناول حليفي ذاكرة المجتمع وسؤال التاريخ عند بنسعيد العلوي من محورين تناول في كل واحد منهما ثلاث روايات، مشيرا إلى أن الذاكرة والمعرفة شكلتا طريقا لمسارين نهضت عليها روايات المحتفى به، وتعملان على دعم الحكاية، لتجد فرصة للبحث في الأفكار والأحداث ومحاورتها، أو هدمها، أو مراجعة سبل بنائها.
التباس
قدم فؤاد بن أحمد، الباحث في علم المنطق والإلهيات والفلسفة وعلم الكلام، دراسة نظرية في جانب من أعمال بنسعيد العلوي، في سبيل وضعها في سياقها الدولي. وتحدث، في هذا السياق، عن مكانة الالتباس في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي. وتساءل: لماذا اختيار الإلتباس، ليجيب بأن المفهوم يكاد يكون السمة الأبرز في العقل العربي الكلاسيكي.
من جهته، بدأ الكاتب والناقد نور الدين صدوق كلمته بمقولة للكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، جاء فيها أن المرء يحسب أحيانا أن قصة ما انتهت فإذا هي تبدأ.
واستحضر صدوق سؤال "هل الروائي يكتب رواية واحدة؟"، ليشير إلى أن بعض الآراء تذهب إلى القول بأن الروائي لا يكتب سوى رواية واحدة، وأن البقية مجرد تنويعات.
وبعد أن تناول نماذج بعينها في هذا الصدد، مستحضرا تجارب روائيين عرب وغربيين، على غرار السوداني الطيب صالح والفرنسي غوستاف فلوبير، طرح صدوق سؤالا آخر بصيغة وتوجه مختلفين، حول من يتحدث اليوم عن الروايات الأخيرة لكتابها، مستحضرا عملين لكل من الطيب صالح والمغربي محمد زفزاف.
جانب من متابعي خيمة الابداع ويبدو الروائي المغربي مبارك ربيع والناقد السعودي معجب العدواني
إعادة تفكير
في الجلسة الثالثة، التي سيرها مبارك ربيع، تحدث الباحث الأدبي والناقد المسرحي عبد الرحمن بن زيدان عن رواية "حبس قارة"، وقال إنها من الروايات التاريخية التي عملت على إعادة النظر في التاريخ لكتابة متخيلها. وقال إن هناك مجموعة من المصادر المعتمدة في الكتاب، ولكن تفكيكها وإعادة بنائها جاء برغبة الحديث عن مدينة مكناس من خلال بعض التيمات الأساسية التي شارك فيها الكاتب إما ككاتب وإما كمتماهي مع بعض الشخوص داخل الرواية.
من جهته، تناول الناقد والدارس الأدبي عبد المالك أشهبون استراتيجية التناص من زاوية رهانات تعدد الأصوات في رواية "سبع ليال وثمانية أيام". وقال إن "ما يستوقفنا في رواية بنسعيد العلوي هو الحضور القوي والمهيمن لتفاعل نصوص وتعالقها، وهو ما يجسده مصطلح التناص على المستوى النقدي، بل يعد مكمن الطرافة والتفرد والتميز في هذه الرواية.
أما الباحث والمترجم العربي وافي فتحدث عن إعادة التفكير في الحداثة لدى بنسعيد العلوي، من خلال ثلاثة من أعماله، وهي "الوطنية والتحديثية / دراسات في الفكر الوطني وسيرورة التحديث في المغرب المعاصر" و"الاجتهاد والتحديث / دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب" و"الإيديولوجيا والحداثة / قراءات في الفكر العربي المعاصر".
وقال وافي إن المشروع هو حفريات في أصل الحداثة ومآلها، سواء في البلدان الأوربية أو العربية مع توصيف ظاهراتي لما رافقها من أحداث تاريخية ، سواء على مستوى المجتمع أو الأفكار التي عكسها. كما رأى أن هذه الحفريات تطمح إلى الكسف عن الإشكالية الخفية أو المضمرة في الخطاب العربي المعاصر، والمتعلقة بحضور سؤال الحداثة في الفكر العربي المعاصر معنى وغيابه نقدا .
تخييل تاريخي
تطرق الناقد والمترجم أحمد بوحسن إلى "عالم سعيد بنسعيد العلوي الروائي من خلال رواياته الست"ـ وتساءل عن سبب تأخره في كتابة الرواية.
وقال بوحسن إن المتن العربي الحديث، وكذا الأوروبي، حاضر باستمرار في روايات بنسعيد العلوي، بل إن بعص رواياته كانت مصاحبة بنص روائي أو فكري أو تاريخي، مشيرا، في هذا السياق، إلى سند تاريخي وسند فكري وسند تاريخي. ثم تساءل: هل يكتب بنسعيد العلوي رواية تاريخية أو تخييلا تاريخيا، ليجيب بأن الفرق هو أن الرواية التاريخية يكون فيه التاريخ يفرض على المؤرخ نسق وسلبية المؤرخ ليتبناها الروائي، أما التخييل التاريخي فهو ينطلق من العكس، بحيث يكون للروائي تصور ويحور السرد التاريخي إلى السرد الروائي. وخلص إلى أن بنسعيد العلوي لم يكتب الرواية التاريخية، بل التخييل التاريخي.
عبد الاله التهاني يتوسط محمد بن عيسى وعبد السلام بنعبد العالي
الإمتاع والمؤانسة
الناقد والشاعر أحمد زنيبر، تحدث في مداخلته، تحت عنوان "عين على الفكر وأخرى على الأدب"، عن تجربة المحتفى به، الذي ظل منشغلا بالفكر والفلسفة، لتحضر عنده مجموعة من المفاهيم، من قبيل الذات والآخر، والهوية والاختلاف، والتي تشير كلها إلى الأهمية التي يعطيها للفكر المغربي والعربي.
وقال زنيبر إن الرواية تشكل انشغالا ثانيا في تجربة بنسعيد العلوي، يعبر من خلاله عن قدرته على المزاوجة بين مادة فكرية تقوم على العقل والبرهان، ومادة إبداعية تستند إلى الحرية والتخييل، فراوح في منجزه بين الفكر بأبعاده المعرفية والتأويلية، وبين الرواية في شقها الإبداعي والتخيلي.
وأضاف: "هكذا ترتسم صورة الكاتب مفكرا وأديبا مبدعا من خلال ما قدمه من أبحاث لم تخل من تأمل فلسفي ولم تحد عن سؤال وجودي يقتضيان معا توظيف العقل واستدعاء التحليل العلمي والمنهجي أو ما نسجه من نصوص روائية استثمرت خلالها إحالات دينية وتاريخية وسياسية، إضافة إلى تناص أدبي أبان عن وعي كتابي يجمع بين الإمتاع والمؤانسة".
كتابة على كتابة
قال الناقد والمترجم والباحث محمد آيت العميم، تحت عنوان "ثورة المريدين / في البحث عن المنقذ والمخطوط المفقود"، إن الرواية الثالثة في منجز صاحبها حول ثورة المريدين، والتي تقمصت لبوس الكتابة التاريخية، تتناول مسألتين أساسيتين تتعلقان بإعادة كتابة سيرة المهدي بن تومرت عبر تخييل روائي تاريخي، والربيع العربي وملابساته ومآلاته.
وقال آيت العميم إن هذه الرواية كتبت بسرعتين، إحداهما تكلفت بصوغ جديد لأخبار المهدي بن تومرت في كتب التاريخ والسير. أما الثانية فقامت على تتبع حياة عبد المولى اليموري وأسفاره وتنقلاته.
وبعد أن قال إن الرواية حاولت في جزء كبير منها أن تمارس الكتابة على الكتابة، خلص آيت العميم إلى أن رواية بنسعيد العلوي تنتهي على وقع هلوسات نتيجة إغماء السارد، الذي ستختلط الأمور في ذهنه أثناء ذلك، ويختلط الزمان، مشيرا إلى أن الجو الذي انتهت إليه الرواية هو جو الارتياب واللامبالاة.
وتناول عبد العزيز بومسهولي، الباحث في الفكر الفلسفي وتاريخ المعرفة، سؤال "لماذا ينشغل الفيلسوف بالرواية؟"، ليقول بأن الجواب يمكن حين يتعلق الأمر بفيلسوف جدير بهذه التسمية.
وتحدث بومسهولي عن رغبة تكمن في ذات الفيلسوف المبدعة إلى اختبار إمكانياته القصوى من أجل التعبير عن عالمه الخاص الذي ينعكس فيه تصوره للعالم بمقتضى انشغاله بالفلسفة كأفق منفتح على مختلف التجارب الفلسفية. ورأى أن الرواية بالنسبة للفيلسوف هي إمكانية إبداعية مزدوجة، فهي، من جهة، إمكانية للتعبير عن حياة برمتها تتمثل في أحداث وشخوص وأمكنة وأزمنة، ومن جهة ثانية، هي الإمكانية ذاتها التي ينكشف من خلالها العالم بوصفه عالما من أحداث وشخوص وأمكنة وأزمنة.
وقدم عبد الرحيم بيدق، الباحث في فلسفة المنطق والرياضيات، قراءة في كتاب "الخطاب الأشعري / مساهمة في دراسة العقل العربي الإسلامي"، مشيرا إلى أن الكتاب كان نتيجة جهد فكري مضني وشاق، هو عبارة عن أطروحة جامعية تحت إشراف المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري.
وركز بيدق على الخطاب الأشعري ومفهوم العقل، من خلال ثلاثة حقول، همت استخراج بعض مقومات العقل الاشعري، ومواجهة أحد الأسئلة الإشكالية والعميقة التي حاول الكتاب أن يجيب عليها، ويهم المقصود بالعقل عامة، والعقل الأشعري خاصة. أما في المحور الأخير، فقد توقف بيدق عند أهم مبادئ العقل الأشعري ونتائجه.