: آخر تحديث
هل قرأوا الرواية حقا؟

كونديرا عن سلمان رشدي

88
81
53

كان ميلان كونديرا قد تضامن مع الكاتب سلمان رشدي بعد أن أصدر الامام الخميني فتوى تقضي بهدر دمه بعد أن أصدر في نهاية الثمانينات من القرن الماضي روايته :"آيات شيطانية". وفي ذلك كتب مقالا بعنوان :"في ما وراء الخير والشر"، جاء فيه ما يلي :

في تاريخ الرواية، تشكل رواية سلمان رشدي (يقصد آيات شيطانية) حدثا أدبيا بارزا. فهي عمل مُتعدد الأصوات غير مسبوق. ففي كتاب واحد، تُزْهر الدعابة إلى جانب ما هو تراجيدي، وحيث حقب تاريخية مختلفة ومتعددة تتعايش، وحيث الفانتازيا المجنونة تنبثق من المعرفة الواعية والجلية للعالم. 

وكان الامام الخميني قد طلب من المسلمين في كل مكان قتل سلمان رشدي. لذلك أصبح هذا الأخير مُلاحقا ومُطاردا. وقد تفاعلت أوروبا مع الحدث بعفوية. وأنا سأظل أحتفظ بالإعجاب والتقدير لكل الذين وقفوا إلى جانب الكاتب المهدد بالقتل، وللذين خاطروا بحياتهم لإصدار الكتاب، وترويجه، وترجمته، وقراءة مقاطع منه أمام الجمهور مثلما فعلت الممثلة الفرنسية ايزابيل ادجاني، أو اخفائه عن قتلته، أو زيارته للتحاور معه.

مع ذلك رافقت هذه الحركة التضامنية الواسعة، بعض الهنات التي لا بد من الإشارة إليها. فقد كان الممثلون الكبار للسياسة الأوروبية يُرْفقُون رفضهم لفتوى الخميني بإبداء بعض التحفّظات تجاه الكاتب، وتجاه عمله مُعتبرين إيّاه  " جارحا ومُهينا لمشاعر المسلمين"، بل "و"بائسا". وقد حرصوا على التصريح بأنهم لا "يحترمون ولا يقدرون السيد رشدي، وكل الذين يركنون إلى التجديف والشتيمة من أجل الحصول على المال".
وأنا لا أريد أن أكون قاسيا معهم. ولكني أقول بإنهم أرادوا أن يكونوا فوق الجلبة للتأكيد على موضوعيتهم. وقد كان من السهل عليهم اتخاذ موقف كهذا الموقف خصوصا وأنهم لم يقرؤوا الكتاب.  

لكن ماذا يمكن أن أقول عن مواقف المثقفين؟  

هناك كثيرون منهم حرصوا هم أيضا على ابداء تحفظاتهم. وهم يدينون فتوى الخميني لكنهم يتساءلون: هل رواية سلمان رشدي هامة حقا على المستوى الأدبي والفني لكي يدافعوا عنها؟ وأنا أسأل بدوري: هل قرأوا الرواية حقا؟ لكي يظهروا أنهم أذكياء، ومتفردون، ومؤثرون في الجدل الذي هو دائما أخلاقي، وبعيد عن الجمالية الفنية والأدبية، هم يشتركون مع رجال السياسة ومع المتطرفين الأصوليين في إظهار نفورهم من قراءة كتاب "ضخم، وعسير الفهم بطريقة مهينة".  

أنا أتمثل روايات سلمان رشدي على صورة صبية في الرابعة عشرة من عمرها تبرز أمامي. وهي تنسلّ إلى كنيسة صغيرة حيث ترى جدتها جاثمة تصلي أمام المذبح. وفجأة تنهار الجدة بسبب أزمة قلبية حادة. لكن بما أنها تكرهها، فإن الصبية تقترب منها، وتنظر إليها من دون أن تبدي أي حراك. والعجوز التي تحتضر، والتي لم يعد باستطاعتها لا أن تتحرك ولا أن تتكلم، تلعن الصبية وجمودها الذي يعجّل بموتها. هكذا تدخل أورورا في مشهد من رواية أخرى لسلمان رشدي. وهي امرأة فاتنة،   تكشف لي من خلال أول ظهور لها التشابك العسير بين الخير والشر. وهو تشابك لا يمكن لأي ّ واحد منّا الخلاص أو الفرار منه.

عائشة في "الآيات الشيطانية" تقود قرويين إلى حج طويل نحو موت مشترك. وهي في الحقيقة وحش من وحوش التزمت. وفي الآن نفسه هي فاتنة حولها تحوك فراشات أينما ذهبت، وأحيانا مثيرة للعطف. وهنا لا يدين رشدي ولا يتهم. وهو لا ما عائشة ولا ضدها. إنه روائي. والروائي يتجنب اطلاق الأحكام والإدانات. وهو مولود في الهند لكنه عاش في بريطانيا، ثم استقر في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن وطنه الحقيقي هو فن الرواية في أوروبا في زمن رابليه، معلمه الوحيد. والعاصفة التي اندلعت بعد صدور "الآيات الشيطانية" تجعلني أفكر في رشدي وليس في العصر الذي  هو عصرنا. عصر صوت الفن الذي بدأ يضمر حتى أنه أصبح بالكاد يسمع. صوت أوروبا التي تنسى نفسها ثم تمضي".   

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات