زيارة وليّ العهد الأمير محمد بن سليمان للبيت الأبيض حيث التقى بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ليست مجرد زيارة عادية أو عابرة تنتهي نتائجها بالزيارة، بل هي زيارة ممتدة في تأثيرها ونتائجها على مستقبل العلاقات بين البلدين والمنطقة كلها.
هدفت الزيارة إلى إعادة تأكيد أسس العلاقات بين البلدين، ما بين الحفاظ على الثوابت وما بين وضع أسس جديدة للمستقبل برؤية سياسية جديدة. وإعادة تعريف الدور السعودي الجديد في النظامين الإقليمي والدولي. كما تشكل الزيارة تحولًا في رؤية القيادة السعودية الجديدة لما تراه من دور للسعودية وللعديد من القضايا التي تهم الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
تكمن أهمية الزيارة في أنها جاءت في سياق تحولات سياسية خطيرة في موازين القوى، ووسط صراعات وتنافسات على إعادة بناء النظام الدولي وبروز دور أكبر لقوى كالصين وروسيا، ووسط قضايا وصراعات وحروب تشهدها المنطقة كالحرب على غزة والحرب الكونية في نتائجها كالحرب الأوكرانية.
وتؤسس الزيارة لتعريف جديد للعلاقات يقوم على الندية والمصالح المتبادلة؛ فالسعودية ذهبت وتريد القوة والقدرات التكنولوجية والعسكرية، ذهبت ولها شراكات استراتيجية مع العديد من القوى العالمية، وأميركا في حاجة إلى إعادة ترتيب مقارباتها وخياراتها في الشرق الأوسط، ولا تريد أن تتخلى عن المنطقة لأهميتها الجيوسياسية والاقتصادية ولكنها تريد أن تبني تحالفات إقليمية تعتمد عليها نظرًا لمصالحها الحيوية في آسيا وأوروبا.
في سياق هذه الرؤية، يأتي الدور المحوري للسعودية في أي تشكيل لأي تحالف إقليمي في المستقبل. والزيارة تأكيد على ثوابت العلاقات بين البلدين وتعيد التذكير بالزيارة واللقاء الأول بين المؤسس الملك عبد العزيز بن سعود مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن المدمرة كوينسي في البحيرات المرة بقناة السويس في 12 شباط (فبراير) 1945 وهي زيارة التأسيس. وكان مدة اللقاء 17 ساعة، وقال فيه وليم إيدي أول وزير مفوض أميركي للسعودية (1944 - 1946): رأى فيه شعبًا حيًا في معاني البطولة لذا اختاروا ملكًا عليهم، وقال في وصفه: لقد كان الملك داهية شديد الذكاء، علم نفسه بنفسه. وقال في وصف شيم العربي: العربي ينزل من فوق الجمل ويصعد على متن طائرة دون أي تأثير كبير. وفي الحديث عن اليهود وهذا تصريح مهم: عندما قال الرئيس الأميركي إنه يشعر بمسؤولية شخصية وأخلاقية تجاه اليهود، جاء رد ابن سعود فوريًا ومقتضبًا: أعطوهم وأحفادهم أراضي الألمان ومنازلهم فهم الذين اضطهدوهم.
وتلخص الزيارة ثمانين عامًا من العلاقات، وكأي علاقات بين دولتين تخللتها حالات من التوتر والخلافات حول رؤية كل منهما لقضايا المنطقة ولماهية العلاقات بين البلدين، والأهم أن السعودية لم تعد الدولة التابعة، ولم تعد أميركا الدولة المهيمنة المسيطرة التي تفرض رؤيتها وخياراتها ومصالحها أولًا. وكما وصف الأمير محمد بن سلمان هذه العلاقات بلا حدود لها وهذا دلالة على عمق العلاقات.
وإذا كانت اللقاءات السابقة وهي كثيرة على مستوى قيادات الدولتين وهذا أيضًا مؤشر على ثوابت العلاقات التي تجب أي اعتبارات أخرى. فهذا اللقاء أسس لمستقبل العلاقات بالحفاظ على الثوابت وبتوسيع دائرة الشراكة الاستراتيجية. ومن مظاهر هذه العلاقات أن المصالح المشتركة تغلب الخلافات والتوتر في العلاقات. ولعل إدارة الرئيس ترامب تكون أكثر الإدارات الأميركية أهمية في تطور العلاقات، ففي إدارته الأولى عام 2017 كانت أول زيارة لرئيس أميركي خارج أميركا للسعودية وزيارته الثانية في أيار (مايو) 2025. وألقى خطابًا مطولًا تطرق فيه للمستقبل. وحتى في عهد إدارة الرئيس بايدن وبالرغم من بعض الخلافات كانت السعودية أهم زياراته عام 2022. وكما يؤكّد المسؤولون السعوديون أن العلاقات بين البلدين لا تتأثر بالتغير في البيت الأبيض. فالعلاقات تقوم على الندية وتلاقي المصالح وصياغة المستقبل وليست علاقات قائمة على احتياجات ظرفية وقتية.


