في السعودية اليوم، وفي رحاب مرحلة مفصلية من تاريخ الإعلام، تتجلى القيادة الحكيمة لوزير الإعلام سلمان بن يوسف الدوسري في رسم ملامح إعلام معاصر يقف عند مفترق الطرق؛ إما أن يظل الإعلام قطاعًا مستهلكًا، مرتهنًا بالموروثات، أو أن يصبح مصنعًا للقيم والفرص والصوت الذي لا يُسكت، والقرارات الأخيرة تُظهر جليًا أنه اختار الموقف الثاني.
أول ما يلفت الانتباه هو الموافقة على تنظيم الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، بحيث تُصبح الجهة المختصة الرسمية بكل أشكال الإعلام؛ المرئي، والمسموع، والمطبوع، والرقمي، مع تبنّيها مسؤولية المحتوى الإعلاني والنشاط الإعلامي في منصات التواصل الاجتماعي، وكل ذلك لضبط المعايير، وحماية الجمهور، وتهيئة البيئة القانونية التي تضمن وضوح الأطر وتسهيل العمل، فهذا التنظيم لا يقف عند ضبط الخطاب فحسب؛ بل يسعى لتحقيق استقرار إعلامي يرافقه تنمية اقتصادية، من خلال جاذبية للاستثمار وتفعيل الصناعة الإعلامية كمُدخل مهم في الاقتصاد الوطني، وهذا استثمار واعٍ لرؤية المملكة 2030م التي تربط المؤسسات بعضها ببعض.
إن دأب وزارة الإعلام في التطوير ومعاصرة التقنيات والحرص على الهوية والثقافة السعودية؛ يعكس وعيًا مؤسسيًا وكفاءة واقعية لحمل أمانة وطنية، تعكس قيمة المجتمع السعودي داخليًا وخارجيًا، من ذلك إطلاق الوزارة مبادرة نوعية تُدعى "نبض الإعلام"، التي أطلقها الوزير بهدف أن تكون منصة تفاعلية دائمة؛ عبر لقاءات دورية تجمع الوزارة بصنّاع المحتوى، والمختصين، والمحللين، يطرحون خلالها الفرص والتحديات، ويتبادلون الخبرات، هذه المبادرة تعكس إدراكًا بأن الإعلام لا يُبنى فقط بالقوانين والضوابط؛ بل بالشراكة مع من يعمل فيه يومًا بيوم، بمن يخلق المحتوى، بمن يتجاهر بالرأي، بمن يصنع ولمن يتابع، بمن يُراد له أن يكون تأثيره إيجابيًا ومسؤولًا، إنها فرصة تقويم وتطوير بوتيرة مستدامة.
وبالوقوف على ما قاله وزير الإعلام في منتدى الإعلام السعودي، يُرى بوضوح شعار عام التحول الإعلامي، الذي لا يُراد منه أن يكون شعارًا بل منهج عمل، يقوم على تفعيل الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وتأهيل الكوادر، والاستثمار الجاد في رأس المال البشري، وتحفيز الابتكار.
ومن اللافت أيضًا التوجه بوضوح نحو محتوى يُعَبِّر عن الهوية، ويرتقي بصورة المملكة داخليًا وخارجيًا، ويضع الإعلام السعودي في مصاف الدول التي تُعرف بصناعتها الإعلامية، فتعزيز القدرات المؤسسية مثل وكالة الأنباء السعودية (واس) وهيئة الإذاعة والتلفزيون، مع تطوير المحتوى ليصل إلى المنصات الرقمية العالمية، كلها مؤشرات لرغبة ليس فقط في إحداث تغيّر شكلي؛ بل في تمكين إعلام قوي له حضور دولي، وصورة ذهنية تعكس ما يجري من تحول وتنمية.
لا يمكن أن نتجاهل أن هذه التحولات ليست خالية من التحديات، مثل تنظيم المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وضع ضوابط واضحة للمحتوى الإعلاني والمحتوى الرقمي، كلها أمور حساسة، تحتاج إلى ضبط دقيق، وإشراك فعلي للمجتمع والإعلاميين، حتى لا تتحول القيود إلى كبت، أو التنظيم إلى رقابة خانقة، لكن في المقابل، فإن وجود هذه التوجهات، والإعلانات الواضحة، والاستعداد القانوني والتنظيمي، كلها تشير إلى أن الإعلام السعودي لم يعد مجالًا متردّدًا، بل صار دافعًا للتغيير، ومسرحًا لصوت مسؤول، رغبة في إعلاء شأن المملكة داخليًا وخارجيًا في زمن سرعة التغير الهائل.
خلاصة القول أننا نقف اليوم أمام إعلامٍ يتشكّل؛ إعلامٍ لا يتجاهل المستقبل، ولا يهرب من التحديات؛ بل يراها فرصًا ليكون مختلفًا، مؤثرًا، وفاضلاً، والإرادة موجودة، والرؤية واضحة، والقرارات تُوضع على الطاولة، فمسيرتها الآن رهينة التنفيذ والشراكة مع الدولة الإعلاميين والمجتمع، وكل من له صوت ورغبة بأن يُسمع في إعلامٍ يُكسب ولا يُخسر، يبني ولا يهدم.


