في وقت يحاول فيه المسؤولون في النظام الإيراني العمل بصعوبة بالغة من أجل تسيير الأمور في البلاد، حيث يبذلون قصارى جهودهم، لكن لا يبدو أن الحظ يحالفهم، ولاسيما أن النظام أشبه ما يكون بسفينة متهالكة تسعى للإبحار بسلام في بحر مترامي الأطراف في خضم عاصفة هوجاء غير مسبوقة.
الملاحظة المهمة التي يجب أخذها بنظر الاعتبار والأهمية، هي أن المسؤولين في النظام، وكلما يقومون بالعمل من أجل التصدي لأحد الأوضاع السلبية، فإن ناقوس الخطر يقرع بقوة في جانب آخر، إذ إن سفينتهم الخرقاء مليئة بالثقوب ولم تعد قابلة للإصلاح، وهذه الحقيقة التي لا يريد الولي الفقيه علي خامنئي وغيره من قادة النظام تقبلها والاعتراف بها كأمر واقع.
فضيحة مصرف "باسارغاد"، التي جاءت في وقت لم يتمكن فيه النظام من لملمة فضيحة مصرف "آينده"، جعلت النظام المصرفي الإيراني بأكمله في الواجهة، وكشفت عن عدم تماسكه، وأنه يسير باتجاه مستقبل مجهول، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضاعف من فقدان الثقة به، وهذا يحدث في وقت تتزايد العزلة الدولية للنظام وتتفاقم أكثر من أي وقت آخر، وذلك ما يثقل كاهله ويجعله يزداد ضعفاً في مواجهة الأحداث والتطورات المتسارعة.
ومع أن الأوضاع ليست سيئة في القطاع المصرفي كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، بل إنها سيئة وتزداد سوءاً في مختلف الجوانب الأخرى، ويبدو النظام بوضوح وهو يئن من تحت ركامها الثقيل غير القابل للتخفيف، وحتى إن تزايد الصراعات داخل النظام وبلوغها حداً غير مسبوق، يرسم ظلالاً قاتمة لمستقبل مجهول ينتظره، ولعل أسوأ ما فيه أنه لا يمكن معالجته أو على الأقل التخفيف من سيره السريع المثير للقلق.
في هذا الخضم، فإن النظام الإيراني، ومن أجل أن يتدارك الأوضاع ويخفف من وقع تأثيراتها السلبية ويوفر مساحة للطمأنة على النظام مما يمكن أن يحيق به، فإنه يزيد من وتيرة الإعدامات والاعتقالات التعسفية. غير أن ما يبعث على قلقه ويجعله يشعر بنوع من التشاؤم المصحوب بكآبة، هو أن دائرة الاحتجاجات الشعبية تتزايد بشكل مضطرد، ويزداد قلقه أكثر عندما يعلم أن درجة ومستوى الوعي السياسي للشارع الإيراني ترتفع أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً أن الخلايا الداخلية المؤيدة لمنظمة مجاهدي خلق والموسومة بـ"وحدات المقاومة" تقوم بصورة مستمرة بتنفيذ عمليات ثورية ضد مراكز ومؤسسات النظام، بالإضافة إلى نشاطات ذات بعد تعبوي بهدف فضح النظام وكشف ظلمه وفساده أمام الشعب الإيراني.
والذي يضاعف من قلق النظام ويوفر مساحة أكبر لشعبية هذه الوحدات، أنها تقوم في كثير من الأحيان بتنفيذ عملياتها الثورية رداً على موجات الإعدامات وقمع الحريات المدنية وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ولذلك، فإن المسؤولين في النظام يشعرون بالخوف، ويعلمون جيداً أن الدائرة باتت تضيق بهم، وأنه ليس هناك من عاصم من سقوط النظام أو انهياره.
والآن يقف المجتمع الإيراني في وجه سياسة النظام المعادية للشعب والإعدامات اليومية. ويُعدّ إضراب 1500 سجين محكوم بالإعدام في سجن قزلحصار، الذي استمر من 13 إلى 19 تشرين الأول (أكتوبر)، دليلاً على عزم الشعب المتأزم الذي يرفض هذا النظام الإجرامي. اليوم، أصبحنا أقرب إلى إسقاط نظام الملالي أكثر من أي وقت مضى؛ فخلال الأعوام السبعة والأربعين الماضية، لم يبلغ النظام هذا الحد من العجز والتفسخ أبداً.
أما أولئك الذين علّقوا آمالهم على الإصلاح من داخل هذا النظام، وقاموا بتسويق وتجميل الجناح المعروف بـ"خط الإمام" كجناح إصلاحي، فقد تم إقصاؤهم بالكامل من دائرة السلطة. وكذلك مني أولئك الذين كانوا يتطلعون إلى الحرب والتدخل العسكري الخارجي بالفشل الذريع. وعلى الساحة الدولية أيضاً، ثبت أن الخطأ الكبير تجاه إيران هو سياسة المماطلة أو الاسترضاء، وهي سياسة كارثية جلبت الحرب بالإضافة إلى العار.
والنتيجة أنه لا يوجد سوى طريقين لا ثالث لهما:
إما استمرار هذا النظام أو ثورة ديمقراطية.
وإما ولاية الفقيه أو جمهورية تقوم على أساس أصوات الشعب.
القول الفصل هو أن الحل هو نفسه الذي يقع تحت وطأة أكبر رقابة في هذا القرن، وهو الحل ذاته الذي يُشيطَن بلا توقف، ويواجه بوابل من الاتهامات التي لا أساس لها ولا حصر لها. ولكن الحل الحقيقي هو إسقاط النظام على يد الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة وقوته الثائرة المتعطشة للحرية.


