في اليوم الوطني الـ95 للمملكة العربية السعودية، الذي يُشرق تحت شعار “عزّنا بطبعنا”، يتجدد فينا الفخر العميق بوطن هو لنا دار، كما يُعبّر هذا الشعار الملهم الذي يجسّد عمق الارتباط الروحي بين الشعب والأرض والتاريخ المجيد. هذا الشعار، المستمد من تراثنا الغني والمتنوع، يذكّرنا بأن عزّنا ينبع من طبعنا الأصيل، الذي شكّل هويتنا الوطنية منذ توحيد المملكة بيد الملك عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه – قبل 95 عامًا. الطبع السعودي، المبني على الشجاعة النادرة، الكرم المتأصل، والوفاء الثابت، لم يكن يومًا مجرد سمة شخصية عابرة، بل أساسًا متينًا لبناء دولة قوية، حيث تحول هذا الطبع إلى فعل جماعي يحمي الدار ويرفع بنيانها. في هذا اليوم المبارك، نستذكر كيف كان طبع أجدادنا – من فزعة في أزمة، إلى جود في شدة – هو الذي جعل هذه الأرض دارًا آمنة ومستقرة، وكيف يستمر هذا الطبع اليوم في تشكيل رؤيتنا المستقبلية، مدعومًا بقيادة حكيمة ترسم من الدار مركزًا للازدهار والابتكار العالمي.
عزّنا برؤيتنا ينبثق من كون رؤية 2030 ليست مجرد خطة تقنية، بل امتداد طبيعي لروحنا الأصيلة في البناء والتخطيط الدقيق. هذه الرؤية، التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله –، حوّلت الدار من مكان يعتمد على الإنفاق الحكومي إلى مركز إنتاجي يُقاس أثره بالإنجازات الملموسة. فمن ارتفاع مساهمة القطاع الخاص إلى 47 بالمئة، إلى قفزة مشاركة المرأة إلى 36.3 بالمئة، وانخفاض البطالة بين السعوديين إلى 6.3 بالمئة، تتجلى هذه الأرقام كدليل حي على كيفية تحوّل الرؤية إلى واقع يعزز الاستدامة والكفاءة. هي لنا دار، لأن الرؤية جعلتها مركزًا يولد ثروته بنفسه، مدعومة ببرامج مثل “شريك” و”منشآت” التي تمكّن الشباب والمنشآت الصغيرة، وتحوّل الطبع السعودي إلى قوة تنموية فاعلة، تعزز مكانتنا بين الأمم.
عزّنا بطموحنا هو الدافع الذي يشعل محركات هذا التحول، فالطموح السعودي لم يقتصر يومًا على حدود الأرض، بل تجاوزها إلى آفاق الفضاء والابتكار. في هذا اليوم الوطني، نشهد كيف يترجم الطموح شعار “عزّنا بطبعنا” إلى مشاريع عملاقة كـنيوم والقدية، التي تحوّل الدار إلى مركز عالمي للابتكار، وتجذب استثمارات أجنبية تجاوزت 88 مليار ريال. هذا الطموح ليس ضجيجًا فارغًا، بل عمل منضبط يُقاس بالإنجازات، حيث يتحول الاقتصاد إلى قيادة من القطاع الخاص، ينتج ويبتكر، ويضمن استدامة للأجيال القادمة، مما يعزز مكانة المملكة كرائدة عالمية.
وعندما تعصف الأزمات، ينهض عزّنا بفزعتنا كمعنى متجدد يعكس جذورنا. الفزعة ليست مجرد رد فعل عاطفي، بل نظام اجتماعي متين يضمن الأمان. نراها في مواسم الحج حيث تعمل عشرات الآلاف من الأيدي بصمت وكفاءة لخدمة ضيوف الرحمن، وفي منصات التطوع والإغاثة التي تمتد من داخل المملكة إلى أصقاع العالم، وفي وقفات الجار الداعم لجاره في الشدائد. هذه الروح تبني رأس مالًا اجتماعيًا عميقًا، لا يُقاس بالأرقام وحدها، بل يحفظ لحمتنا الوطنية، ويمنح المجتمع قدرة فائقة على امتصاص الصدمات والتعافي بسرعة.
وإلى جانب الفزعة، يتجلى عزّنا بجودنا كقيمة متأصلة في حياتنا اليومية. الجود هنا يتجاوز الإنفاق المادي إلى خلق ينظم العطاء ليصبح أثرًا مستدامًا: أوقاف تعليمية تُنمي العقول، مبادرات صحية تخفف أعباء الأسر، برامج تدريبية تحول الاحتياجات إلى مهارات، ومسؤولية مجتمعية تربط أرباح القطاع الخاص بمصلحة الوطن. الجود السعودي ليس حدثًا عابرًا ولا صورة مصطنعة؛ إنه التزام طويل الأمد يضع المال في خدمة الكرامة الإنسانية، ويعزز دور المملكة كمثال عالمي.
وما يعزز هذا النهج هو عزّنا بأصالتنا، الذي يتفاعل بحماس مع رياح التحديث. الأصالة ليست ربطًا جامدًا بالماضي، بل جذور قوية تمنح الشجرة تماسكًا وهي تمتد نحو الضوء. عندما نرى ازدهار فنون السدو والخط العربي إلى جانب الصناعات الإبداعية والرياضة والترفيه، ندرك كيف تُصان الهوية وتتسع في آن واحد. وعندما تعود القرى والمدن لتلتقي في مهرجانات أو متاحف أو أحياء تاريخية مُرممة بعناية، نفهم أن حفظ الذاكرة هو جزء لا يتجزأ من بناء المستقبل، وأن أي تقنية لا تعترف بثقافتنا تبقى ناقصة.
ويبقى عزّنا بكرمنا كعنوان يميز الوجه السعودي في العالم. كرم الضيافة ليس مجرد بروتوكول اجتماعي، بل فلسفة تعانق الآخرين. يفتح البيت للعمل المشترك، والمجلس للحوار العميق، والمائدة للتعارف الإنساني. في الكرم تتشكل جسور الثقة، تُدار الخلافات بحكمة، وتتحول اللقاءات العابرة إلى شراكات دائمة. هذا الكرم يتوافق مع الاقتصاد عندما يحول الاستقبال إلى فرص، ويتماشى مع الدبلوماسية عندما يصبح حسن اللقاء أولى علامات احترام الدولة لذاتها ولشعوب العالم.
هكذا تتشابك المعاني السبعة في نسيج متماسك: طبائع أصيلة، استراتيجية واضحة، طموح منضبط، تكافل حي، جود متين، هوية مُصانة، وكرم ممتد. ليس الهدف مجرد ترديد شعارات، بل الحفاظ على توازن دقيق: النجاح هو ما يعزز جودة حياة الناس، يحفظ استدامة مواردهم، ويرفع مكانة الوطن بين الأمم من موقع المبادر لا المستقبل. وعندما ننظر إلى الراية الخضراء كعهد بالمسؤولية أكثر من كونها ألوانًا مرفوعة، ندرك لماذا أصبح سؤال "الأثر" معيارًا لكل مشروع وسياسة وخطة.
في هذا اليوم الوطني، نستلهم دروس المؤسس الذي وحّد الأرض تحت كلمة واحدة، ونقرأ في مسيرة قيادتنا المعاصرة كيف تحولت تلك الكلمة إلى مؤسسات حديثة، خدمات متطورة، واقتصاد يحتضن أحلام الجيل الجديد. المستقبل ليس سهلاً ولا قريبًا، لكنه ممكن بقدر ما نحافظ على طباعنا، ونشدد أزر رؤيتنا بالعمل الدؤوب، ونوسع جسور طموحنا بالتدريب والمعرفة والانضباط. هذا الوطن تعلم أن الفخر الحقيقي ينبع من البيوت، المدارس، المزارع، والمصانع، وأن كل مواطن ومواطنة شريك أصيل في معادلة المنعة والازدهار.
خاتمة القول: عزّنا بطبعنا، وبرؤيتنا، وبطموحنا، وبفزعتنا، وبجودنا، وبأصالتنا، وبكرمنا؛ وكلّ “عزّ” منها تكليف ومسؤولية. فلنحوّل الاحتفاء إلى إضافة ملموسة في مواقعنا — موظفًا يبدع بإتقان، معلّمًا يصقل عقولًا، طبيبًا يهدئ الآلام، مزارعًا يحافظ على الماء ويزيد الإنتاج، ورياديًا يصنع فرصًا لوطنه قبل ذاته. بهذا وحده يستمر العيد عظيمًا، وبذلك نكتب لرايتنا الخضراء صفحات جديدة من العمل المشترك، ونمضي مع قيادتنا نحو مستقبل يُقاس فيه الشرف بما نُقدم لا بما نُعلن. حفظ الله المملكة وقيادتها وشعبها، وأدام علينا نعمة الأمن والازدهار والعزة.