عند وقوع أي جريمة اغتيال، أو اختلاس، أو تزوير، أو تهريب نفط أو أموال أو مخدرات، تسارع الحكومة لتشكيل لجنة للتحقيق، ثم يزور رئيس الوزراء موقع الجريمة، ويعرج على منزل أسرة المغدور ويقسم لها بشرف أمه وأبيه على أن حقهما لن يضيع.
وفي أسبوع، أو بالكثير، أسبوعين، تحفظ أوراق القضية في علبة مختومة وتُصفُّ إلى جانب رفيقاتها المحفوظات السابقات على الرفوف العالية، ولا يعود ذوو القتيل، ولا أهل القاتل، يسمعون شيئا عن التحقيق ولا عن النتيجة.
والصحف، والإذاعات، والفضائيات، ومواقع التواصل لا تتوقف عن الشكوى، والاستهجان، والاحتجاج، ولا عن المطالبة بكشف المستور.
ثم حين لا تهتز شوارب الحكومة، تبدأ الصحف والإذاعات والفضائيات ومواقع التواصل باستخدام أشد عبارات الوعيد والتهديد بانتفاضة أقمش من انتفاضة تشرين 2019 إذا لم تحترم الحكومة رأي الرعية، وإذا لم تعلن نتيجة التحقيق، وإذا لم يحاكم المتهم علنيا، وإذا لم يسجن أو يعلق على مشنقة صدام حسين.
وهنا الحكومة ترد، فتطلق سراح المتهم، حتى لو اعترف بارتكابه الجريمة، وتودعه في المطار بالحفاوة والتكريم، ثم يصل بالسلامة إلى دبي، أو طهران، أو إلى بيروت المقاومة ووحدة الساحات، طبعا قبل نكبة البرامكة على يد هارون الرشيد اليهودي، نتنياهو.
أيام، أو أسابيع، أو بضعة أشهر يقضيها في البر والتقوى والقيام والقعود، يعود إلى وطنه الغني، والرحمن الرحيم، ليصبح وزيرا، أو سفيرا، أو رئيس حزب أو مليشيا، أو فقط رفيق وزير أو مسامر زعيم، يسهل به الصفقات، ويحرر لحسابه السجناء والسجينات، ويهدد القضاة، ويزور لأبنائه الشهادات.
هنا يفقد المواطنون المهضومون الصبر، فيتحدَّوْن الحكومة، ويكفرون بالمقدسات، ويجاهرون بالمحرمات، ويملأون الشوارع والساحات، شاهرين لافتات، مكتوب عليها بالدم والدموع: (الشعب يريد إسقاط النظام).
عندئذٍ يخرج لهم الناطق الرسمي باسم الحكومة، مبتسماً، على الفضائيات، ليقول لهم: طز، أعلى ما بخيكم اركبوه.
وتنزل الستارة، وتقيد الحكومة الجريمة ضد مجهول.