طغت نقاشات ونظرات بريطانية وعربية عن الديمقراطية في الكويت ومستقبلها بعد حل مجلس الأمة في العام 2024 وتعليق بعض مواد الدستور، في حين كانت مشاركتي في اللقاءات في العاصمة لندن، من زاوية، الاستماع، والخواطر، والاستفهامات غير العفوية!
لبيت دعوات جديدة في فبراير الماضي للقاء مع مجاميع مهتمة بالشأن السياسي الكويتي ضمن لقاءات فردية وأخرى موسعة إلى حد معقول، وغير مفتوحة لعامة الناس، فمناقشة الشأن السياسي الكويتي يحتم التأني في الحديث والتحليل، لذلك ركزت على الخواطر والاستماع والاستفهامات.
المناسبة التي احتضنها شتاء العاصمة لندن، كانت لمناقشة مستقبل الديمقراطية في الكويت، وحقوق الإنسان، والهوية الوطنية، والجرائم الإلكترونية، وقوانين المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع والإلكتروني، أي حرية التعبير والرأي والبحث العلمي التي كفلها دستور الكويت.
الأسئلة البريطانية والعربية كثيفة والتساؤلات عميقة، واحياناً جدلية حرجة سياسياً ومرهقة في البحث عن مفردات غير المحظورة سياسياً، فالعالم الخارجي له مفاهيم وبيئة حوار مختلفة تماماً عن بيئة محدودة في مساحة الرأي والتعبير، ولا تحتمل الاستفهام المشروع وغير المشروع!
شرحت واقع خلفية قانون الجرائم الإلكترونية وظروفه السياسية الذي قدمته الحكومة ووافق عليه، للأسف، مجلس الأمة في العام 2015 من دون عناء التمعن في تفاصيل النصوص والعوار اللغوي الذي يحمل الأبعاد والآثار القانونية المعقدة!
في العام 2015، لم يكن مجلس الأمة "سيد قرارته" وكانت الأغلبية النيابية متبادلة المصالح بغض النظر عن القوانين وغاياتها في تلك الفترة التي استمرت حتى العام 2020 وهي فترة سياسية كئيبة وخصوصا "زحف" السلطة التشريعية على صلاحيات الحكومة وإضعاف دورها.
غير مهم من كان على اليمين أو اليسار أو الوسط في مجلس الأمة أو الحكومة في العام 2015 عند مناقشة قانون الجرائم الإلكترونية، فالقانون حصد الموافقة البرلمانية وفازت الحكومة بملذات سياسية نتيجة مساومات وتنازلات وتحالفات نيابية وحكومية...هكذا بدا المشهد!
الرأي العام خلال تلك الفترة الكارثية سياسياً لم يكن منقسما بين اليسار واليمين والوسط، لأن القوانين تناقش عادة في أروقة لجان برلمانية مع الحكومة وفي جلسات خاطفة لمجلس الأمة وليس خارج أسوار المجلس مع أهل الخبرة والاختصاص ومؤسسات المجتمع المدني.
الحكومة كعادتها تحبذ النقاشات بلجان مجلس الأمة، ولا تفضل الخروج عن أسوار المجلس ومناقشة ما لديها من مشاريع قوانين مع مؤسسات المجتمع المدني واهل الخبرة، لذلك لم تكن هناك معارضة كافية أو شديدة أو ناصحة ضد قانون الجرائم الإلكترونية.
استشهدت في الاستدعاء والحديث عن الخطابات السامية بشأن "زحف" مجلس الأمة على صلاحيات وسلطة الحكومة، لتوضيح الموقف الرسمي بعد حقبة رمادية حكومياً ونيابياً خلال الفترة 2013-2020 وحل مجلس 2020.
أما بالنسبة لملف حقوق الإنسان، والهوية الوطنية، والترتيبات المتعلقة بالتعديلات الدستورية المتوقعة، فقد تنازلت عن حق الحديث مفضلا الاستماع لكافة الآراء والاستفهامات البريئة وغير البريئة.
لكنني اخترت الإجابة والشرح عن ثوابت ومواد دستورية وخاصة المادتين 174 و175، فقد لاحظت في النقاش عدم الإلمام في هذه الثوابت وعدم دقة الحديث عن طبيعة المكتسبات الدستورية التي كثيراً ما تتردد في الكويت دون عناء الشرح وتوضيح قيمتها الوطنية!
جذبت الثوابت الدستورية عن تنقيح الدستور ودور مجلس الأمة في التصديق على التنقيح، والتعديل من أجل المزيد من الحريات، الاطمئنان للمتابعين لمسألة الديمقراطية في الكويت ومستقبلها.
الخواطر والنظرات لم تخرج عن النقاش الموضوعي ولا الإطار الدستوري وهو الأهم في حوار مع نخب بريطانية وعربية سياسية وأكاديمية وإعلامية تولي اهتماماً استثنائياً في الشأن السياسي الكويتي والديمقراطية بوجه خاص.
ما حدث في الكويت وسوف سيحدث بعد حل مجلس 2024، تبدو طلاسم جدلية، ومحاكمة خاطفة في ضوء ضبابية المعلومات، والتطورات في الكويت، ومستقبل الديمقراطية، والهوية الوطنية، والحريات، بسبب غياب الخطاب الإعلامي الكويتي للعالم الخارجي، وانسداد نفق تدفق المعلومات بلغات العالم!
*إعلامي كويتي